×
28 شوال 1445
6 مايو 2024
المصريين بالخارج
رئيس مجلس الإدارة: فوزي بدوي

مذكرات مهاجر مجهول (20)

المصريين بالخارج

بقلم/ اشرف علي يعقوب

و اخيرا استطعت ان انقل الى بادوفا فعاليات التدريب و البحوث العلمية، بينما بقيت جامعة ميلانو كالجهة الرسمية لدراسة الدكتوراه.

ذهبت الى وحدة قسطرة القلب في البولي كلينيكو في مدينة بادوفا التي تبعد حوالي خمسين دقيقة بالسيارة من مكان سكني في تريفيزو. كنت آخذ الاتوبيس حتى محطة الحافلات في وسط مدينة تريفيزو ، ثم آخد الحافلة الى بادوفا و التي تصلها بعد ساعة ، ثم امشي حوالي نصف ساعة حتى اصل لوحدة القسطرة في قلب مستشفى الجامعة "البولي كلينيكو".

و في الوحدة كان استقبالي فاتراً جدا، بل اكاد اقول كان عدائياً، من العاملين فيها و خاصة صغار الاطباء. كان رئيس الوحدة هو البروفيسور "كيوين"، رجل لطيف من اصول ريفية و كان هو الوحيد الذي استقبلني بصورة جيدة. قال انه سيحاول مساعدتي في ابحاثي و لكنه لم يعدني بالمساعدة في التدريب العملي على المرضى لأن عددٍ الاطباء المنخرطين في برامج التدريب كبير و أن هناك مسئولية كبيرة في تركي اعمل على المرضى و اذا حدث أي خطأ فسيكون هو المسئول امام القانون.

هذا الكلام بالطبع احزنني و ملأني بالرعب فتقربت من طبيب لبناني كان يحضر رسالة الماجستير في نفس القسم و لكنه لم يكن معي في وحدة القسطرة و شكوت له حالي هذا. و سألته لماذا اذن قبل البروفيسور كيوين حضوري هنا من ميلانو اذا لم يكن لديه النية ان يدربني كما يجب، فرد بأن البروفيسور كيوين رجل طيب القلب و يسمونه "رجل النعم" لأنه لا يرفض طلباً لأحد و لعله فهم انك لديك اسباب قوية للانتقال من ميلانو الى بادوفا. قلت له هذا صحيح فزوجتي على وشك الولادة و احتاج ان اكون بجانبها و لكني ايضا اريد ان استمر في التدريب على قسطرة القلب.

قال اصبر فقد يجعلك تمارس القسطرة عمليا بعد وقت و حين يرى انك طبيب له وزنه. قلت سنرى، و لكني اصبت بإحباط شديد، فأنا في ميلانو كنت امارس قسطرة القلب يوميا و بدأت في اكتساب معظم المهارات اللازمة.

و واظبت على الحضور يوميا و الجلوس لمتابعة عمليات القسطرة من خلال حاجز زجاجي، و لا احد يكلمني و لا احد يتابعني و لا احد له رغبة في سماع اسئلتي و احدهم قال لي يا "عبدو"، فكل العرب كانوا عنده اسمهم "عبدو"، أو بالاحرى "أبدو" كنا ينطقها هو. قال يا "أبدو" لماذا لا تذهب و توجه اسئلتك الى البروفيسور كيوين فهو الذي قبلك هنا".

ندمت على انتقالي لبادوفا و اصبح الحضور لوحدة القسطرة يوميا و قضاء اكثر من ثلاث ساعات في المواصلات لمجرد البقاء طوال اليوم وراء الحاجز الزجاجي لمشاهدة الآخرين يعملون هو نوع من التعذيب القاسي.

و كانت الطامة الكبرى بالنسبة لي هي ان احد الاطباء الصغار عندما حاولت مشاركته بعض اسئلتي و ملاحظاتي على عمليات القسطرة التي كنا نشاهدها معا من خلف الحاجز الزجاجي رد علي بجفاء بارد " الا تشعر بأنه لا احد هنا يريد حضورك، لماذا لا تعود الى بلدك؟.

بالطبع هذا القول و غيره من التلميحات و اللمزات من آخرين دفعني الى حالة بائسة من خليط من الغضب و القلق الشديد. و مع اقتراب ميعاد ولادة زوجتي اصبحت لا افكر الا في الطفلة القادمة و التي ستجد اب مكتئب محبط و مستقبله غير مضمون ، يعمل في بيئة عدائية و لا امل له في تدريب متكامل او ابحاث ذات قيمة. نعم كان لي مرتب معقول كل شهر ، و لكن هدفي الأساسي كان هو ان اتعلم و اتدرب في تخصصي. كنت في دوامة من الافكار الحزينة ، و فكرت في ترك كل شئ و العودة لمصر فورا و لكن كيف اترك زوجتي و هى على وشك الولادة، و كيف اترك طفلتي و التي قد لا اراها بعد ذلك اذا عدت لمصر ، و بأي وجه اعود لمصر فاشلا بلا دكتوراه و لا تدريب كافي. كنت في موقف لا احسد عليه، كان علي ان اذاكر للانتهاء من امتحانات المعادلة و أيضا تحضير بحث السنة الثانية للدكتوراة ، مع وجود الاحساس الطاغي بالمسئولية تجاه الوليدة القادمة و التي عرفنا انها انثى بعد تحليل السائل "الامنيوتى" المحيط بالجنين و كان هذا تحليلا جديدا في تلك الايام.

و ذهبت للبروفيسور كيوين طالبا منه ان يدخلني الى مسرح العمليات و أن يسمح لي أن اقوم ببعض عمليات القسطرة. كان رده كالسكين الذي يقطع في قلبي، قال لي في حزم " انا لن اسمح لك بالقيام بعمليات القسطرة لان هناك الكثيريين من الاطباء الإيطاليين الذي يجب عليّ تدريبهم من بادوفا و من بعض جامعات الجنوب الايطالي و الذين يأتون بتكليف رسمي من الحكومة بتدريبهم". و قال انه قبلني هنا فقط بسبب اسبابي الخاصة ، و انه يكفي لي ان آخذ مرتب البعثة ". ثم أخذ بيدي و قال " إن لم تذهب من هنا فستنتهي كمتشرد سكير تائه في شوارع بادوفا تسأل الناس الحسنة!!!"

عندما سمعت هذا احسست فعلا بالاختناق و خرجت من عنده و انا لا اكاد الوي على شئ. احسست ان العالم يتهدم فوق رأسي. ملأني الاحساس باليأس و الألم و الحزن العميق. فكرت انني اخطأت في كل خطواتي. شعرت بالذنب تجاه زوجتي و ابنتي القادمة ، بل و تجاه اهلي و بلدي. غضبت من نفسي و من العالم. رجعت لبيتي و رغم حالتي هذه فقد نحجت أن اخفيها عن زوجتي. لم تشعر سلفانا بحالتي النفسية المتردية ابدا ، كنت ابدو امامها كالمعتاد، و حمدت الله على ذلك لأني لم ارد لها أن تشعر بأزمتي و هي على وشك الولادة. و رغم انني لم اكن استطيع النوم و فقدت معظم شهيتي الا انني نجحت في اخفاء ذلك عنها. و ساعدني في ذلك انه كان اغسطس و كنا في اجازة الصيف الدراسية في الجامعة. كنت قد كرهت الذهاب لوحدة القسطرة في بادوفا و كرهت من فيها.

و في احد الايام و كان قد بقي على موعد الولادة ايام قليلة و بعد ليلة لم اغمض فيها عين من افكار كلها سوداء، و في الصباح و انا ما زلت في الفراش، احسست فجاة بتسارع شديد في دقات قلبي مع ضيق في التنفس و شعور رهيب بالرعب من شئ بشع لم ادرك ما هو . كانت هذه هي اول مرة اشعر فيها بما يسمى في الطب بنوبات الرعب. انتهت هذه النوبة فجأة كما بدأت فجأة ، و لكنها عاودتني بعد ذلك عدة مرات في اليوم. و سببها هو شحنات من الادرينالين يفرزها المخ عندما يعاني الانسان من حالة قلق فظيعة مصحوبة بالاكتئاب.

تماسكت نفسي بصعوبة و كلمت صديقتي و طبيبتي "أنيزي" في المساء و شرحت لها ما حدث لي منذ الصباح، فقالت اني اعاني من ضغط نفسي شديد و ان علي ان آخذ دواء مهدأ و الا سوف يحدث لي إنهيار عصبي. و دعتني للذهاب لبيتها فقد كانت تحتفظ عندها ببعض من الحبات المهدئة. و فعلا ذهبت عندها في صباح اليوم التالي و اخذت الحبوب. و كنت قد عانيت من نوبات الرعب هذه طوال الليل.

مع الحبوب المهدئة احسست ببعض الارتياح و لكن اصابني اكتئاب شديد و لم ارى الا دنيا سوداء امامي و مستقبل مظلم و حياة بائسة و لكني رغم هذا لم اشعر زوجتي بحالتي هذه. و مرت بي الايام وانا في هذا العذاب المستمر.

ولدت زوجتي في ميعادها ابنة جميلة صحيحة البدن و التي كنا قد اتفقنا على تسميتها "سارة " . سعدت كثيرا بها رغم حالتي و اطمئن قلبي قليلا بأن الولادة تمت على خير. كانت زوجتي في سعادة كاملة ، و توقعت انا ان حالتي هذه هي سوف تتحسن بعد ان تمت الولادة على خير. و لكن و برغم اختفاء نوبات "الرعب" الا ان الاحساس بالكآبة و القلق لم يتركني. فقدت شهيتي تماما و لم اكن استطيع النوم و بدأ وزني يقل و مظهري يتغير و كلامي قل جدا و لم اجد بداً من ان اصارح زوجتي بحالتي. لم تتفهم جيدا ماذا اعاني و لكنها ذهبت بي الى احد معارفها من اطباء مستشفى تريفيزو و الذي قال لي ان اكتئابي هو ما يسمي باكتئاب بعد الولادة و هو يحدث غالبا للامهات الجديدات و لكنه يحدث كذلك للاباء الجدد، و ان ذلك سببته ايضا الظروف الدراسية و المهنية التي امر بها.

و هكذا بدأت اتعامل نفسيًا و واقعياً مع هذه المعاناة و نجحت بعون من الله في ان أخرج من هذه الازمة و سأحكي لكم في المرة القادمة كيف استطعت أن احقق معظم أهدافي رغم هذه الصعاب.

استطلاع الرأي

أسعار العملات

العملةشراءبيع
دولار أمريكى​ 29.526429.6194
يورو​ 31.782231.8942
جنيه إسترلينى​ 35.833235.9610
فرنك سويسرى​ 31.633231.7363
100 ين يابانى​ 22.603122.6760
ريال سعودى​ 7.85977.8865
دينار كويتى​ 96.532596.9318
درهم اماراتى​ 8.03858.0645
اليوان الصينى​ 4.37344.3887

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 2,069 شراء 2,114
عيار 22 بيع 1,896 شراء 1,938
عيار 21 بيع 1,810 شراء 1,850
عيار 18 بيع 1,551 شراء 1,586
الاونصة بيع 64,333 شراء 65,754
الجنيه الذهب بيع 14,480 شراء 14,800
الكيلو بيع 2,068,571 شراء 2,114,286
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

مواقيت الصلاة

الإثنين 09:22 صـ
28 شوال 1445 هـ 06 مايو 2024 م
مصر
الفجر 03:31
الشروق 05:08
الظهر 11:52
العصر 15:29
المغرب 18:35
العشاء 20:01