×
11 ذو القعدة 1445
18 مايو 2024
المصريين بالخارج
رئيس مجلس الإدارة: فوزي بدوي
مقالات

رب أعطني الثالثة

المصريين بالخارج

وتتوقف القافلة للمبيت ، بعد أن أقبل الليل ، وأنا لا يشغلنى سوى عامر ، يقولون عنه هو أزهد الأرض ، لذلك قررت أن أراقبه .. لأعرف أصدقاً ما يقال عنه أم أن الله ساق الشهرة رزقاً له ؟؟ .

اقتربت منه ..

ـ إنى من البصرة وأسمع عن علمك ، وأريد أن أتعلم منك .

اقرأ أيضاً

ـ لست إذن مطلبك .. فأنا أطلب العلم مثلك ..

جلست بجواره ، فلم أجده يزيد عما يفعله أحدنا شيئاً .. هو يجلس مثلما نجلس ، ويهتم بشئون نفسه .. لقد ربط فرسه في الشجرة ، وأرخى له الزمام ، لا يختلف عنا سوى في تلك ، نحن نربط الفرس في الشجرة لكن لا نرخى له الزمام .. وبدأ يجمع حشائش الأرض ويضعها حول الشجرة ، لهذا أطال الزمام إذن ليهتم الحصان بطعام نفسه . أى زهد هذا ،وهو لا يريد أن يشغل باله حتى بفرسه .

أيريد أن ينام ولا يصحو في أى وقت من الليل ؟

ففيم شهرته بأنه عابد البصرة ؟؟

سأبتعد عنك ، لكنك طريدى ، سأراقبك ليلاً ونهاراً حتى أقف على أمرك..

لم يكد الناس تستغرق في النوم ، حتى نهض من مكانه ومضى في الغيضة ، يبتعد .. ويبتعد .. أين يذهب هذا الرجل ؟

هذا الرجل عكس ما يقال عنه .. أمره مريب ، انتظر حتى نام الناس ومضى .. تلفت يمنة ويسـرة ، فلما اطمئن أن لا أحد ينتبه له مضى إلى شأنه ، أليس التلفت دليلاً أنه مقدم على شيء لا يريد أن يعرفه أحد ، وأى حلال يحب الخفاء .. ؟ إنى وراءك .. لن تشعر بي .. لكنى سأقف على سـرك .

ـ والله لأتبعنك ..

مشى طويلاً حتى وجد رابيةً ملتفة الشجرة مستورة ، فوقف مستقبلاً القبلة ، وبدأ يصلى ..

ـ ما أعجب هذا الرجل ! أالصلاة تحتاج كل تلك السـرية ؟؟ وهل لا يصلى كل هؤلاء الذين ابتعدت عنهم ؟؟

اقتربت حتى أصبحتَ أسمع صوته ، لكنه لم ينتبه إلى ، لقد قضى الليل كله في الصلاة ، وتد ، أكاد أجزم أنه يقرأ القرآن أو نصفه في الركعة الواحدة .

لم أسمع من دعائه سوى :

ـ الهي إني أحببتك حبا سهّل علي كل مصيبة,ورضاني بكل قضاء...فما أبالي مع حبي لك ما أصبحت عليه,وما أمسيت فيه...

وغلبنى النعاس ، ثم صحوت وأنا أحلم بالتميمي ، فانتبهت ، لأجد عامراً مازال يصلى ، وقد أِشـرق الفجر ، ففهمت أنه يصلى المكتوبة ، ثم أقبل يدعو بصوت وصلنى ..

ـ اللهم هاقد أصبح الصبح وطفق الناس يغدون يروحون يبتغون من فضلك ...

وأن لكل منهم حاجة ...وأن حاجة عامر عندك أن تغفر له...

اللهم فاقضي حاجتي وحاجاتهم يا أكرم الأكرمين...

اللهم سألتك ثلاثا فأعطيتني اثنتين ومنعتني واحده ...

اللهم فأعطنيها حتى أعبدك كما أحب وأريد...

ثم نهض من مجلسه فوقع بصره علي؛فعلم بمكاني منه تلك الليلة ؛ فجزع لذلك أشد الجزع وقال لي في أسى:

أراك كنت ترقبني الليلة يا أخا البصرة؟

ـ نعم

ـ فاستر ما رأيت مني ستر الله عليك.

ـ والله لتحدثني بهذه الثلاث التي سألتها ربك أو لأخبرَنَّ الناس بما رأيته منك .

ـ ويحك لا تفعل.

ـ لا مناص . يجب أن تخبرني ، ولا تخش شيئاً ، فلك عليّ عهد الله وميثاقه لو أخبرتني ألا أفشى لك سـراً مادام أحدنا حياً .

ـ إذن فاسمع مني .. لم يكن شيء أخوف عليّ في ديني من النساء,فسألت ربي أن ينزع من قلبي حبهن ,فاستجاب لي حتى صرت ما أبالي أمرأةًً رأيت أم جداراًً...

ـ هذه واحده فما الثانية؟

ـ و الثانية أني سألت ربي ألا أخاف أحداً غيره,فاستجاب لي حتى أني والله ما أرهب شيئاً في الأرض ولا في السماء سواه...

ـ فما الثالثة؟

ـ سألت ربي أن يُذهب عني النوم حتى أعبده بالليل والنهار كما أريد فمنعني هذه الثالثة...

ـ يا أخى ، رفقاً بنفسك ، فالجنة تدرك بأقل من ذلك ، والنار تتقى بأقل من ذلك .

ـ إني أخشى أن أندم حيث لا ينفع الندم...

فاسمح لى أن أصحبك ..

ـ إنى لى ثلا ثة شـروط في الصحبة ..

ـ قد قبلتها بدون أن أعرفها ..

ـ أن أكون مؤذن الجماعة ، وخادمها ، وأن أنفق على من يصحبنى قدر طاقتى ..

ـ أنت أهل لأن نخدمك وننفق عليك .. أما الآذان فأنت أهل له ..

ـ تلك شـروطي .. وإلا فهذا فراق بينى وبينك ..

ـ بل قبلت ..

ـ فبماذا تنصحنى ؟

ـ احرص على الستر ، لا تتحدث عن إساءة فعلها أحد معك ، ولا تتحدث عن إحسان فعلته مع غيرك .

لم يكد الرفيقان يعودان إلى القافلة ، حتى يقبض الناس عليهما .

ـ لقد سـُرق الأمير .. ولم يختف من القافلة سواكما ، سـرقتما وغبتما لإخفاء المسـروق ثم عدتما ، لكنكما تأخرتما ، فقد كُشفت السـرقة ..

صاح الرجل البصرى .. ياقوم .. والله ما سـرقنا ..

ـ فأين كنتما ؟ طيلة الليل ، لقد كشف الأمير السـرقة في أول الليلة ، ثم اكتشفنا غيابكما ، فعرفنا أنكما السارقان ..

ـ ما سرقنا ، لقد كان صاحبي ..

ـ لقد وعدتنى يا أخا البصرة .. فلا تنس ..

ـ لكن يا أخى ، إن إفشاء السـر أهون مما يتهموننى به ..

ـ أتظنك تسترنى ويفضحنى الله ؟؟ لا والله ..

ـ ما شأنكما ؟ وما السـر الذى تتحدثان عنه ؟

ـ لا شيء ..

ـ خذوهما إلى الأمير ..

يمضيان بهما .. إلى عمر بن مقرن أمير القافلة ..

ـ أين كنتما طيلة الليل ..

ـ لسنا عبيدك حتى نمضى بأذنك ..

ـ لكن هروبكما تزامن مع سـرقة في القافلة .

ـ إن كانت عندك بينة فأقم الحد .

ـ فمن أنت ؟

ـ عبد من عباد الله .. لا الاسم ينفى عني الشبهة .. ولا القبيلة .. فكلنا من تراب ..

ـ إذن أصدقنى أيها الرجل الطيب ..ألم تسـرق ؟

ـ هداكم الله ، فوالله لو تجمعت الدنيا كلها في وعاء ما ساوت عندى قلامة ظفر .

ـ أنتَ عامر .. !!

ـ كيف عرفتَ بالله عليك ..

ـ أيها الناس ، لوسـرقتُ أنا والدنيا كلها ما سـرق هذا الرجل ، وإليكم قصتى معه .. لقد كلفنى سعد بن أبي وقاص بعد القادسية لأحصى الغنائم ، وبينما نحن على ذلك إذ أقبل رجل أشعث أغبر . ومعه حق كبير الحجم ثقيل الوزن يحمله بكلتا يديه ، لم تقع أعيننا عليه من قبل ، ولم نجد فيما غنمناه ما يعادلاه ، ثروة هائلة تجعل مدينة بأكملها ثرية ، كلها در وجواهر . أخبرنا الرجل أين وجده ، فسألناه ألم تأخذ منه شيئاً ..

ـ فقال تلك الجملة نفسها التى سمعتموها لتوكم من هذا الرجل الذى تتهمونه بالسـرقة ..قال :

ـ هداكم الله...

والله إن هذا الحق ,وجميع ما ملكته ملوك فارس لا يعدل عندي قلامة ظفر...

ولولا حق بيت مال المسلمين فيه ما رفعته من أرضه...ولا أتيتكم به.

قلنا : من أنت أكرمك الله؟

فقال:لا والله أخبركم لتحمدوني,ولا أخبر غيركم ليقرظوني...

ولكني أحمد الله تعالى وأرجو ثوابه .

ثم تركنا ومضى . لا نعرف من هو ، أتعرفون من هو ؟؟ هو هذا الرجل الواقف بينكم .. أرجلٌ يحصل على حق لا يراه أحد سوى الله ويأتى به يمكن أن يسـرق ؟؟ هداكم الله .. هذا صاحب حُق القادسية .. الذى رفض أن يخبرنا حتى يومها باسمه ..

ـ ناشدتك الله ، فكيف عرفت ؟

ـ يومها أمرت رجلاً أن يتبعك ، ويأتينا بخبرك ، فلما أخبرني ، قلت والله لأنوله مراده ، ولا أفشى سـره ، ليظل عمله بينه وبين الله ، ولولا تهمتك اليوم ما أذعت سـرك . ولا تغضب ، فأن الله يريد من العبد أن يفعل في الستر ليجنبه المراء ، لكنه يريد للناس أن تعرف محامد الناس لتنتشـر الفضيلة ، فما أذعت أنا سـرك ، لكن أذاعه الله ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره .

ـ إذن لا أصاحبكم . وأرجع إلى بلدتي البصرة ثانية . فوا الله لا أصحاب أناساً عرفوا ما كتمته ..

ويعاود عامر أدراجه إلىالبصرة ، وأصر على العودة معه ..

ـ يا أخا البصرة . هذا فراق بينى وبينك .. اذهب إلى حالك واكتم عنى .. إن عدت إلى البصرة .

ـ إذن فاعذرني منك كما عذر العبد الصالح موسى ، لقد تحمله ثلاثاً ثم قال له : هذا فراق بينى وبينك . وأنا لم أمض معك سوى مرة واحدة ..

ـ بل مرتين .. الأولى عندما جعلتنى أخبرك بسري عندما تبعتني ، والثانية عندما كدت تذيع سري ..

ـ إذن بقيت واحدة ..

لم يكد عامر وصاحبه يدخلان إلىالبصرة .. حتى وجد شـرطياً يمسك بخناق رجل من أهل الذمة ، ويجره جراً ، والذمي يستغيث الناس :

ـ أجيروني أجاركم الله...أجيروا ذمة نبيكم يا معشـر المسلمين...

فأقبل عامر عليه وقال:

ـ هل أديت جزيتك يا رجل ؟؟

ـ نعم أديتها.

ـ فماذا تريد منه إذن ؟

ـ أريد أن يذهب معي ليكسح حديقة صاحب الشـرط...

قال عامر للذمي :

ـ أتطيب نفسك بهذا العمل؟

ـ كلا...فذلك يهد قواي,ويشغلني عن كسب قوت عيالي...

ـ ليس لك أن تفعل معه ذلك ، فدعه لحال سبيله .

خفت عليه ، تدخلت :

ـ أخى عامر ، إن صاحب الشرطة رجل شديد ، فلا تستعد عدواته ..

لم يلتفت إلي ، واستمر يتحدث إلى الحارس :

ـ دعه لحال سبيله يا رجل ..

ـ لا أدعه...

وهنا خلع عامر رداءه ، وألقاه على الذمي ، قائلاً :

ـ والله لا تخفر ذمة محمد وأنا حي...

ـ أخى عامر ..

ثم تجمع الناس,وأعانوا عامراً على الرجل,وخلصوا الذمي بالقوة... فأسـرها صاحب الشـرطة في نفسه ، وعلم أنه لن يستطيع أن يدخل معه في مواجهة وقد وقفت الناس معه .

فكاد له صاحب الشـرطة عند أمير البصرة :

ـ إنه خارج عن السنة والجماعة ، فلا يتزوج النساء ، ولا يأكل لحم الحيوانات وألبانها ، ويتعالى على مجالس الولاة . فاستدعاه الأمير :

ـ ما لك تعزف عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم,وتأبى أن تتزوج!؟

فقال: ما تركت الزواج عزوفاً عن سن النبي عليه الصلاة والسلام...فأنا أشهد أنه لا رهبانية في الإسلام...وإنما أنا امرؤٌ رأى أن له نفساً واحدةً فجعلها لله عز وجل ، وخشي أن تغلبه الزوجة عليها...

ـ فما لك لا تأكل اللحم؟!

ـ بل آكله إذا اشتهيته ووجدته...أما إذا لم أشتهه,أو اشتهيته ولم أجده فإني لا آكله...

ـ فمالك لا تأكل الجبن؟!...

ـ إنا بمنطقة فيها مجوس يصنعون الجبن...وهم قوم لا يفرقون بين الميتة والمذبوحة...وإني لأخشى أن تكون المنفحة التي صنع بها الجبن من شاة غير مذكاة, فإن شهد شاهدان من المسلمين على أنه جبن صنع بمنفحة شاة مذبوحة أكلته...

ـ وما يمنعك من أن تأتي الولاة, وتشهد مجالسهم؟

ـ إن في أبوابكم كثيراً من طلاب الحاجات؛فادعوهم إليكم...واقضوا حوائجهم لديكم...واتركوا من لا حاجة له عندكم...

والله لا أجد شيئاً آخذه عليك . ولا أملك إلا أن أرفع أمرك لأمير المؤمنين عثمان .

ويأتى أمر عثمان ، ما رأينا فيه خروجاً عن السنة أو الجماعة ، لكن منعاً للفتنة بين أنصار الرجل وخصومه ، فقد أمرت أن يرحل إلى الشام وأوصيت معاوية به خيراً .

وفي اليوم الذي عزم فيه عامر بن عبد الله على الرحيل عن البصرة خرج خلق كثير من تلاميذه وإخوانه لوداعه ، وقبل أن يغادرهم في ظاهر المربد قال لهم :

ـ إني داعٍ فأمنوا على دعائي...

فاشـرأبت إليه أعناق الناس وسكنت حركتهم , وتعلقت به عيونهم.

فرفع يديه وقال:

اللهم من وشى بي وكذب علي, وكان سبباً في إخراجي من بلدي,والتفريق بيني وبين صحبي اللهم إني صفحت عنه فاصفح عنه...

وهبه العافية في دينه ودنياه...

وتغمدني وإياه وسائر المسلمين برحمتك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.

ثم التفت إليّ ..

ـ تذكر يا أخا البصرة .. أنك حاولت أن تمنعني عن التذكر للحارث .. تلك كانت الأخيرة ، فهو فراق بيني وبينك .. وداعاً .

لم أستطع أن أجبره على ما لا يحب .. فقد دفعنى خوفي عليه أن أنسى وأحاول أن أمنعه أن يتصدى لظلم قائد الشرطة ..

ظللت أنظر إليه ، وقد وجّه مطيته إلى بلاد الشام حتى غاب عن عينيى.

البصرة الصلاة الشرطة

استطلاع الرأي

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 3,566 شراء 3,589
عيار 22 بيع 3,269 شراء 3,290
عيار 21 بيع 3,120 شراء 3,140
عيار 18 بيع 2,674 شراء 2,691
الاونصة بيع 110,894 شراء 111,605
الجنيه الذهب بيع 24,960 شراء 25,120
الكيلو بيع 3,565,714 شراء 3,588,571
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

مواقيت الصلاة

السبت 07:00 صـ
11 ذو القعدة 1445 هـ 18 مايو 2024 م
مصر
الفجر 03:19
الشروق 05:00
الظهر 11:51
العصر 15:28
المغرب 18:43
العشاء 20:12