×
26 شوال 1445
4 مايو 2024
المصريين بالخارج
رئيس مجلس الإدارة: فوزي بدوي
مقالات

مذكرات مجهول (28)

المصريين بالخارج

 

قدمت نفسي لمدير المنظمة الخيرية الدولية ومساعده فقالوا انني مناسب جدا للعمل في هذه المنطقة الموجودة على شاطئ المحيط الهندي في جنوب الصومال. فسألتهم اعطائي معلومات عن المكان و ظروف العمل فيه.

قالوا ان المستشفى يوجد بالقرب من مدينة مركا التي و يبعد حوالي ١٢٠ كيلومتر جنوب غرب العاصمة مقديشيو.

و ان المستشفى صغير به ستين سرير و صالة عمليات واحدة و به بعض الممرضين من المتطوعين الاجانب منهم ممرض ايطالي تعرفت عليه بعد ذلك. و قالوا ان المستشفى به الآن دكتورة جراحة إيطالية و انني سوف انضم اليها لنكون الأطباء الوحيدين في هذا المكان. كان عليّ ان اعمل كطبيب امراض باطنة في جميع تخصصاتها و ايضا كطبيب اطفال، اما الدكتورة الجراحة فكانت ستؤدي الجراحات العاجلة فقط و ستقوم هي بتخصص النساء و التوليد. فسألتهم و من سيقوم بالتخدير ، فقالوا لا يوجد طبيب تخدير و ان طبيب التخدير سوف يكون انا. قلت لهم ان لست اخصائي تخدير، قالوا انهم لم يجدوا طبيب تخدير و انها حاجة بسيطة ممكن اتعلمها بسرعة خاصة انني عملت في العناية المركزة و قادر على وضع انبوبة في القصبة الهوائية و استعمال جهاز التنفس الصناعي. وقالوا ان الادوية و الاجهزة متوفرة و تعمل جيدا بواسطة الكهرباء الناتجة عن مولدات تعمل بالجاز.

و قالوا لي اننا سنسافر الى نيروبي في كينيا و هناك سنقضي اسبوع لأخذ كورس مركز عن احوال المنطقة التي سنذهب اليها. و من نيروبي سنأخذ طائرة صغيرة الى مركا، و من ثم بعربة جيب الى المستشفى. قالوا ان الطائرة الصغيرة تقوم بالرحلة بين مركا و نيروبي مرة في الاسبوع و هي وسيلة الخروج الوحيدة من الصومال الى كينيا لأن الطريق البري غير آمن. و في المكان الذي نبيت فيه لا يوجد غير تليفون بالقمر الصناعي و يستخدم للطوارئ فقط. و ان مدة عقدي هي ستة اشهر لن اعود فيهم الى ايطاليا.

احسست ان هذا العمل سيكون شاق و فيه خطورة و لكن رغبتي في دخول مجال العمل التطوعي الدولي في المنظمات الصحية العالمية كانت كبيرة، و كنت ارى في هذا العمل مدخل الى مهمات اكبر و مراكز احسن بالاضافة الى رغبتي في خدمة الناس الغلابة و خاصة الافارقة و المسلمين منهم.

قبلت و لم يحضر لبالي اية اسئلة اخرى. وقالوا نحن لن نبحث عن طبيب اخر لأنك قبلت هذا العمل و نعتقد انك صالح جداً له. و ودعوني بحرارة قائلين انهم سيتصلون بي قريباً.

أخذت القطار عائداً الى تريفيزو و انا اسأل نفسي لماذا قبلت هذا الموضوع. و أخبرت زوجتي و حماتي انهم قبلوني، و بالطبع قالتا انهما كانا يأملان ان لا اقبل. و زوجتي قالت لا اريد ان تتركني و الطفلة لمدة ستة اشهر و كما فهمت ليس هناك إمكانية لنتقابل في نيروبي مثلاً.

و حتى والدي في مصر قالي لي لا تذهب فهناك حرب و مذابح و امراض و "حرام عليك تعمل فينا كده". أخبرت البروفيسور بانيان بمشروعي فزعل و لكن قال انه مستقبلك وانت تقرره بنفسك. قال لي ان "فترة اعارتي لأفريقيا" لن تؤثر علي وضعي عنده و انه سيظل باحثا عن مكان لي في جامعة بادوفا و ذلك حتى ننهي الابحاث التي وضعت انا اساساتها.

وحتى اصدقائي و جيراني نصحوني بعدم الذهاب و لكني ركبت دماغي و تخيلت مستقبل كبير لي في مجال الصحة العالمية و المحافل الدولية و هكذا. و صممت على خوض التجربة.

فعلا وبعد على ما اذكر اسبوع كلموني في التليفون لإخباري اننا سنسافر بعد ايام من مطار مالبينسا في ميلانو.

ودعت الاهل و الاحباب وقبلت واحتضنت طويلاً طفلتي سارة ، اما زوجتي فكان بوزها ثلاثة اشبار ورفضت توديعي اكثر من حملي لمحطة القطارات في تريفيزو. فهمتها وعذرتها.

وفي المطار تقابلنا المدير ومساعده والممرض وانا. وركبنا طائرة اليطاليا المتجهة مباشرة لنيروبي.

واسندت رأسي على مقعد الطائرة الملاصق للشباك بعد اقلاعها، و تذكرت اول مرة ذهبت فيها الى نيروبي في نوفمبر ١٩٨٩. أخذت انا وزوجتي طائرة مصر للطيران من القاهرة الى نيروبي في اجازة اردنا لها ان تكون ثلاثة اسابيع. كانت زوجتي عاشقة للقارة الأفريقية وكانت ترغب في رؤية حقول السافانا وشواطئ كينيا الشهيرة. واتذكر اننا اقلعنا من القاهرة في منتصف الليل، وتابعت من شباك الطائرة مدن صعيد مصر واحدة بعد الاخرى حتى اصبح ما تحتنا ظلام دائم لمدة اربع او خمس ساعات عندما كنا نعبر السودان من شماله لجنوبه. و فجاة قال لنا قائد الطائرة اننا نعبر الآن خط الاستواء ، ومع طلوع الفجر بدأت ألمح السهول والغابات الخضراء تحتنا تظهر و تختفي من بين السحاب.

و نزلت انا وسلفانا في مطار نيروبي في مبدأ النهار و تعجبت ان الجو ابرد من جو القاهرة. وعرفت بعد ذلك ان الجو لطيف جداً في نيروبي صيفاً و شتاءاً برغم انها تقع تحت خط الاستواء بقليل و ذلك لانها تقع على هضبة عالية و تمطر هناك كثيراً. و الحق ان الجو لطيف عامة في كل وسط افريقيا و ليست شديدة الحرارة عند خط الاستواء كما نتخيل. والغيوم تغطي السماء تقريباً دائماً خلال فصل الامطار في افريقيا الوسطى. والناس لونهم اسود ليس بسبب الشمس ولكن لأنه اللون الاصلي للسلاسة البشرية التي خرجت فعلا من وسط افريقيا.

خرجنا من المطار وقلت لزوجتي فلنأخذ تاكسي لانني كنت عايز انام بعد ان قضيت الليلة في الطائرة و لم انم (بعد ذاك اصبح النوم في الطائرة من متع السفر بالنسبة لي)، ولكنها قالت ان الكتاب "دليل السائح في كينيا" يقول ان هناك اوتوبيس من المطار لوسط البلد يدفع فيه تذكرة رخيصة جداً. و فعلا ركبنا الاوتوبيس وانا على مضض فلم تكن تعجبني هذه الفكرة. وكنت اعتقد انه اوتوبيس خاص للمطار و لكنه كان اوتوبيس عادي يستعمله عامة الناس. ومشى الاوتوبيس بنا شبه فارغ في البداية و بدأ يمتلئ بالناس تدريجيّاً. وعندما دخلنا المدينة كان مزحوماً مثل أوتوبيسات القاهرة. وعندما تنبهت اننا وصلنا فعلاً لما بدى لي كوسط المدينة قلت لسلفانا هيا ننزل هنا. وكانت امامي في طريق النزول ولكن دخل بيننا بعض من الناس وفجأة احسست ان احدهم يحاول ان ينشل محفظتي من جيبي الخلفي فوضعت يدي على يده فسحب يده، ولم التفت لرؤيته لأنني فكرت اني اذا فعلت هذا فمن الممكن ان يرشق مطواة في صدري. وبينما انزل من سلم الاوتوبيس اشارت لي احدي السيدات ان شئ يخصنا على الأرض ، فنظرت وصعقت ان اجد باسبور سلفانا الدبلوماسي على الارض فأخذته و نزلت بسرعة لأطمئن على زوجتي. وجدت جالسة على الارض وهي تبحث وسط شنطتها و تنظر لي قائلة " لقد سرقوا كل شئ". سرقوا كل الفلوس و الشيكات السياحية توماس كوك وباسبورهها العادي. فحاولت تهدئتها و قلت لنفكر قليلاً. ماذا يجب ان نفعل؟ قلت نذهب للشرطة للابلاغ عن السرقة. و فعلا كانت اول معالم نراها في نيروبي هو قسم شرطة وسط البلد، و ما ادراك كيف هو قسم الشرطة في وسط نيروبي. قال لنا الضابط الشاب الذي بدا غير مهتم بالموضوع من اصله انه لا يستطيع ان يفعل لنا شئ و تركنا ليضرب واحد يبدو عليه انه متشرد يمسكه جنديان بشدة حتى لا يهرب.

قلت لها لا فائدة لنا هنا، فلنذهب الى توماس كوك لايقاف صرف الشيكات، و قلت لها ان معي حوالي الف دولار يكفونا بسهولة اسبوعا او اكثر حتى نعود للقاهرة. وذهبنا الى توماس كوك و كان الموظف حقيقة في منتهى الاحتراف و اللطف معنا. اوقف صرف الشيكات و قال اننا سوف نحصل على نقودنا بالرغم من سرقة الشيكات بعد ثلاثة ايام.

تركناه وذهبنا للسفارة الإيطالية و لكن في السفارة قابلتنا موظفة غاية في الغلاسة و عاتبتنا على أخذ الاوتوبيس بوقاحة و "ازاي تاخدوا اتوبيس، انتو مش عارفين انهم هنا بيعتبروا الناس اللي جايه من اوروبا و كأنهم بنوك متنقلة ؟" و اخيراً قالت انها لن تفعل لنا شئ.

ولحسن الحظ قابلنا في السفارة راهب مدني (يعني راهب مش رسمي) ايطالي اسمه "فولفيو" ، اقترب منا بلطف عندما شعر اننا في ازمة فحكينا له قصتنا، فقال تعالوا معي، واخذنا بعربته الصغيرة و بدأ يأخذنا في جولة في المدينة. قلت له يا سيدي نحن في ازمة و لا نريد الا ان ننام في فندق رخيص حتى الصباح، و في الصباح نذهب لمصر للطيران ونأخد اول طائرة للقاهرة. قال "ولماذا هذا، سوف تقضون اجازتكما كما رسمتموها" ، قلنا له كيف؟ قال "لا تقلقا و دعوني اريكم المدينة التي اعرفها جيداً فأنا سأرجع الليلة للقرية التي اعمل فيها و لن ترونني بعد ذلك" . وفعلا قضى معنا حوالي ساعتين ارانا فيها اهم ملامح مدينة نيروبي، و حكى لنا عن عمله قبل خروجه على المعاش كمدرس ميكانيكا في ايطاليا و هو نفس العمل الذي يمارسه في ذلك الوقت في مدرسة القرية، تطوعاً، و شرح لنا احوال البلد السياسية و الاقتصادية و قال ان مرض الايدز ايامها سوف يقضي على نصف سكانها، و كان الايدز ايامها منتشراً جداً في كل افريقيا و لم يكن له علاج وقتها.

ثم اخيرا و عندما كنا في غاية الارهاق اخذنا الى مدرسة بريطانية ملحق بها مسكن صغير للزوار. كانت المدرسة تدار بواسطة راهبات ايطاليات و تضم بنات من الطبقات العليا في كينيا. كان المكان رائع الجمال و تام التنسيق والغرف كانت في غاية النظافة. ورحبوا بنا بعد ان حكى لهم فولفيو قصتنا. وودعنا الرجل العجوز بحرارة و تمنى لنا رحلة سعيدة و ذهب لقريته النائية. و للاسف عرفت بعد سنوات ان الرجل قتل في قريته التي كان يعمل بها تطوعا مدرسا للميكانيكا من قبل ارهابيين ينسبون انفسهم للدين الاسلامي و هم منه براء.

وسألنا كم سندفع قالوا ان الاقامة تكلف عشرين دولار في اليوم للفرد مع ثلاث وجبات و "شاي الساعة الخامسة مساءًا" حسب النظام البريطاني. و دخلنا لننام بعد ان تعشينا عشاءاً خفيفا و رحنا في النوم سريعا و نحن نشعر اننا في الجنة بعد ان توقعنا الجحيم. و في الصباح رأينا طابور الطالبات و كانت الطفلات والفتيات في غاية الجمال و الاناقة و يبدون و كأنهن لآلئ سوداء نادرة. وذهبنا لمصر للطيران فاستقبلونا بكل لطف وغيروا لنا التذاكر بسهولة و كنا قد قررنا ان نبقي أسبوعين وليس ثلاثة كما خططتنا. وفعلا قضينا في النهاية اجازة جميلة.

وفتحت عيني عندما صاحوا في الطائرة اننا على وشك الهبوط في نيروبي. واخذت في الاستعداد للخروج مع رفاقي الثلاثة ، المدير ومساعده والممرض.

استطلاع الرأي

أسعار العملات

العملةشراءبيع
دولار أمريكى​ 29.526429.6194
يورو​ 31.782231.8942
جنيه إسترلينى​ 35.833235.9610
فرنك سويسرى​ 31.633231.7363
100 ين يابانى​ 22.603122.6760
ريال سعودى​ 7.85977.8865
دينار كويتى​ 96.532596.9318
درهم اماراتى​ 8.03858.0645
اليوان الصينى​ 4.37344.3887

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 2,069 شراء 2,114
عيار 22 بيع 1,896 شراء 1,938
عيار 21 بيع 1,810 شراء 1,850
عيار 18 بيع 1,551 شراء 1,586
الاونصة بيع 64,333 شراء 65,754
الجنيه الذهب بيع 14,480 شراء 14,800
الكيلو بيع 2,068,571 شراء 2,114,286
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

مواقيت الصلاة

السبت 06:53 مـ
26 شوال 1445 هـ 04 مايو 2024 م
مصر
الفجر 03:33
الشروق 05:09
الظهر 11:52
العصر 15:29
المغرب 18:34
العشاء 19:59