آدم الرائع
أبى آدم أول الخلق ، لا ليسوا كما يقولون الارتقاء لكائنات ، أنه مخلوق منفصل لم يكن تطورا لغيره، خلقه الله عز وجل بيده وبنفخة الروح استوي أول مخلوق في الحياة البشرية الرائعة.
حمل اسم آدم ، فمن اسماك آدم يا أبي ؟ إنه الله قبل أن تأتي إلى الوجود عندما خاطب الملائكة عنك بهذا الاسم، ولما سمعت باسمك لأول مرة كان منه عز وجل فطوبى لمن سماه ربه، وطوبى لك إن كانت أول مرة تسمع فيها اسمك كانت من ربك الكريم ، جميل أن يسمع الواحد من أبنائك صالحا ينادي اسمه، فما الحال لو كان الله عز وجل هو من يناديك به بل هو أول من يناديك به ؟!! أن آدم منذ اللحظة الأولى ، ففي اللحظة الأولى لخلقه قال ربه للملائكة : اسجدوا لآدم .
فهل لن يصادف الاسم أهله؟ لن تجد اسما يصادف أهله كما ستجد اسم آدم، آدم على وزن أفعل بهمزتين ، سهلت الهمزة الثانية ولذلك تقلب واوا عند الجميع أو ادم ولآدم خمسة معان :
الألفة والمحبة والاتفاق : خلق الله آدم يحب ويحب ، قال النبي صلى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة : لو نظرت إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ، قال الكسائي يؤدم بينكما يعني أن تكون بينهما المحبة والاتفاق وهذا يتفق مع قوله تعالى( ومن أياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون (21)) الروم
الخلطة والاجتماع : بينهما أدمة ولمحة : أي خلطة وموافقة فقد خلق آدم من عناصر وقوى مختلفة وبذلك نجد هذا المعنى متحقق في ابتدائه وفيما سيصير إليه . فقد جمع من أماكن متعددة وتم الانسجام بين أجزائه فأصبح الانسجام بين أجزائه فهو عشري، اجتماعي بطبعه، يجتمع من غيره فلا ينفر من الاجتماع بل ينفر من الوحشة وأصبحت سمته التكييف .
الوسيلة : تقول فلان أدمتي إليك أي وسيلتي وآدم عليه السلام يجب أن يعلم أن حياته وسيلة إلى غاية هي الجنة ، فإن لم ينجح أن يجعل حياته وسيلة إلى الجنة فعدمه خير من وجوده وهو في الوقت نفسه وسيلة لإظهار الحق من الباطل فلولا الإنسان ما ظهرت خطية إبليس اجعل حياتك زلفى إلى الله .
الأسوة : فلان آدم أهله ، أي أسوتهم فاللفظة تعني الريادة والقدوة ، فهو أسوة لنا أول مخلوق أول نبي، أول تائب، أول عدو لعدو الله ، أول من سكن الجنة، وأول خارج منها نتعلم من خلاله كيف نرجع إليها فهو أسوة لنا له ولنا ، وهو أسوة من الله بما منحه من هبتين عظيمتين ، الروح والعقل ، ولهذا سيظل كل إنسان يحصد حسنات غيره ، لو كان قدوة وسن سنة حسنة عمل بها غيره فيكون أجره لا يقتصر على عمله فحسب بل وأجره من عمله بها لأنه حقق معنى الاسم: الأسورة قال صلى الله عليه وسلم ( من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن سن سنة سيئة كان عليه وزراها ووزر من عمل بها لا ينقض ذلك من أوزارهم شيئا) ومن دل على خير فله أجر فاعله والعكس، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ما من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم كفل من دمها لأنه أول من سن القتل.
الإصلاح : من آدم الطعام قال أبو عبيد لا أرى الأصل فيه إلا من أدم الطعام لأن صلاحه وطيبه إنما يكون بالإدام ولذلك يقال طعام مأدول وقال صلى الله عليه وسلم نعم الإدام الخل، وقيل الملح سيد الإدام ، قالت امرأة دريد بن الصمة حين طلقها أتطلقني ؟ فو الله أبثثتك مكتومي وأطعمتك مأدومي وجئتك باهلا غير ذات صرار ، أما قولها مأدومي أي لم أمنعك شيئا من طيباتي فوظيفة الإنسان في هذه الحياة هي الإصلاح وتعمير الأرض، وما من مكان أو زمان يخالف الإنسان تلك الوظيفة إلا ويحكم على حياته بالفناء . وبذلك ارتبط اسم آدمم بالمحبة والألفة ليتمكن أن يعيش مع زوجه، وبالخلطة وسيلة إلى الجنة والغاية الإصلاح في الأرض وتعميرها.
فطوبى لمن سماه الله آدم وطوبى لمن حقق الاسم من أبنائه.
وأبي آدم .. له أولياته الخاصة : فهو لم يولد من أنثى ، ولم يكن له طفولة ، ولم يكن له أبوان ، لكنه إن لم يولد فقد مات ، وإن لم يكن له أبناء ، فله أبناء ، وهو الحجة المفحمة لكل من يدعى عبادة مخلوق ، فلو كان ثمة مخلوق يستحق العبادة لكان هو . وبتلك الحجة رد الله عز وجل على من يعبدون المسيح لأنه ولد بلا أب .
نبي أم رسول: هو نبي لا رسول ، لكنه نبي مكلم. والفرق بين الرسالة والنبوة : إن الرسالة لقوم كافرين ، ترسل إليهم لتدعوهم إلى الله ، ولهذا فأوامر الله ليست ملزمة لهم ، لأنهم بعد لم يؤمنوا ، أما النبوة فهي لمن آمن تنبئهم بتعليمات الله لهم ، وهي ملزمة لهم لأنهم مؤمنون . ولأنه لم يكن هناك كافرون في البداية فهو نبي ، وكذلك إدريس ، ولن تبدأ الرسالة إلا بظهور الكفر ، فهنا يكون أول رسول هو نوح عليه السلام .
ولأن الإنسان مجموع أجزائه فتعالوا بنا في رحلة مع أجزاء أبي آدم .. وهي الوجه والجسم والقلب والعقل والنفس واليد .. والعلاقة مع الله ..
الوجه : خلق الله عز وجل آدم جميلا ، فهو أجمل الخلق وجها ، ما من جميل إلا وفيه لمسة من جمالك يا أبي، وهل كان يوسف عليه السلام بجماله المبهر إلا ويملك شطر(نصف) جمالك ، ولذلك جاء النهي أن تصفع الوجه، فقد خلق آدم على صورته، والمعنى لا تصفع وجه مملوكك على وجهه ، فإن آدم قد خلق على صورة هذا المملوك ، وهو على سبيل التشبيه المقلوب، كما تقول : الأسد كعنترة لتبالغ في شجاعة عنترة كذلك جاء النهي بالتشبيه المقلوب مبالغة في التنفير من ضرب وجه الإنسان ، والمقصود لا تضرب وجه أحد وجه من يشبه وجهه.
الجسم : خلف الله عز وجل آدم طوالا كنخلة سحوق، طول كما ورد في الحديث الشريف ستون ذراعا وهو قرابة عمارة مكونة من خمس عشرة دورا، لا يشعر بألم إن الجلد كما نعلم هو مصدر الإحساس ، ولهذا في الآخرة سيبدل الله عز وجل جلد من ينضج جلده ليشعر بالعذاب، وهذا الجلد في ركن حصين ، لا مجال لأن يقع عليه شيء ليشعر به ، فقد جعل الله عليه طبقة سميكة من الغطاء العظمى وهي الأظفار ، فكان كل جسم آدم مغطى بالأظفار فلا مجال للألم أو المرض. ( إن لك تجوع فيها ولا تعرى (118) وأنك لا تظممؤا فيها ولا تضحى (119) طه .
جسمه يتكون من نفس عناصر الأرض ..من تراب ، وهو قوي الجسم ، معافى .وما أدراك العافية ؟ وهل العافية إلا الدنيا ؟ قال صلى الله عليه وسلم : من أصبح معافى في بدنه آمنا في سربه عنده قوت يومه فكأنما خيرت له الدنيا بحذافيراها .
إن عافية الجسم تتحقق بالإقلال من :
من الأكل : فنحن قوم لا نأكل حتى نجوع ، وإذا أكلنا لا نشبع.
من النوم : فالنوم موت والإكثار من الموت لا ينتهي أبدا إلى حياة أو عافية.
من الكلام : فأكثر خطايا الإنسان من لسانه وقد اقسم إبليس أن يأتي آدم من حنكه .
من الجماع والنظر للنساء بشهوة : ولذلك جاء الأمر بغض البصر.
القلب :
خلق آدم طيب القلب بنفس ليونة الطين الذي خلقه آدم منه فقد خلق من تراب الأرض والأرض برة به كالرحم ، كالأم. والقلب في وظيفته المثلى يدفع للإخلاص ، فإن وجدت إنسانا مهموما بغيره فاعلم أنه يحقق الوظيفة المثلى للقلب بل يبرهن على استحقاقه لفظة إنسان ، وهكذا كان آدم يرجو الخير للجميع وسيخرج من نسله أنبياء تقاتل كفارا وما أعجب تلك المقابلة بين أنبياء يسعون في نجاة كفار لا هم لهم سوى قتل هؤلاء الأنبياء لكنه الإخلاص الذي ورثوه من أبيهم آدم، علمهم أن الإخلاص : يحب لغيره ما يحبه لنفسه ، ويعمل لغيره ما يعمله لنفسه .
وأمراض القلب :
الصدأ : وعلاجه كما يقول صلى الله عليه وسلم : عالجوا صدأ القلوب بالاستغفار .
الهوى : وعلاجه ألا تدخل الدنيا قلبك اع إلى هدفك بيديك لا بقلبك ومعنى السعي بيديك أن تعمل له خطواته لكن لا يدخل قلبك فإن كان طموحا لم يتحقق ، لم تحزن عليه وإن كان عزا قد ضاع لم تندم عليه .
العمى : فتكون الحقيقة أمامك ولا تراها وهذا علاجه أن تفترض ماذا لو كنت خطئا ؟ فإن كانت الإجابة ضرر فأنت على صواب .
( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه أبائنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير( 21)) لقمان
نبيل النفس: النبل هو الترفع ، هو التعفف أن تتعفف عما يجري وراءه غيرك ، أتذكر يوسف يترفع على امرأة تعرض نفسها بجمالها عليه؟ هذا هو التعفف .
النبل هو المروءة والمروءة ألا تستطيع أن تكون صغيرا.
النبل : أن تتصرف بعيدا عن صديقك كأنه معك.
النبل في حسن الوسيلة ، فالناس تتفاوت في وسائلها لا في غاياتها.
وأعلم : أنه ليس لأنفسكم ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها إلا بها .
زكي العقل : خلق الله آدم أكمل الناس عقلا .
وقد تناقش آدم مع موسى فغلبه آدم بالحجة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فحج آدم موسى ثلاثا .
اختصه بالعقل ، هو المروءة والمروءة ألا تستطيع أن تكون صغيرا .
العقل كالشمس نور يفرق بين الصدق والكذب بين الحق والباطل . نور يقودك إلى الفطرة التي فطر الله الناس عليها ولم لم يرسل الله رسولا لقادهم العقل إلى الله إلا من غلبته نفسه .
العقل كالماء فلو كان الإنسان شجرة أنت بلا عقل شجرة بلا ماء ميتة قلعها أفيد من بقائها. أما الماء فيجعل الشجرة خضرة يانعة نضرة مثمرة .يجب الناس رؤيتها وينعمون بها .
وللعقل سمات : منها الدقة والترتيب والوضوح ، ومنها : الترابط وعدم التناقض
التحكم في العاطفة وعدم غلبة الهوى.ومنها : التزامن وفعل كل شيء في وقه .
والعقل يمنعك أن تقع في مأزقك وإن وقعت أخرجك منه ، ولذلك قيل إن معاوية أكثر عقلا من عمرو بن العاص فعمر بن العاص كان يقول : ما وقعت في مأزق إلا وخرجت منه، أمام معاوية فكان يقول وأنا لا أقع في مأزق قط.
لا تنشغل بما منعته .
علمه الله الأسماء كلها والعلم كالغنم والعقل راعيها غنم بلا راع لا فائدة لها وراع بلا غنم فقير.
.ماهر اليد : خلق الله لك يدين للاتقان فالله يخلق الشيء لما يحبه والله يحب كما قال صلى الله عليه وسلم إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه وإن كان الشيء يعمل في اتجاهين فانظر أي الاتجاهين يطابق فعل الله ، لتعلم أن تلك الغاية من خلقه ، واليد يمكن أن تأخذ وتعطي فالغاية من خلقها إذن ليس إلا العطاء لأن ذلك هو فعل الله فعليك أن تعطي ثم تعطي وكما قال صلى الله عليه وسلم لبلال : أعط بلال ولا تخش من ذي العرش أقرر ، نعم عليك أن تعطي فاليد العليا خير من اليد السفلى ، فأنت تزيد بما تعطيه للآخرين ، وتنقص بما تأخذه منهم ، والإنسان يخلد بعد وفاته على قدر ما أعطى للناس ، لماذا الأنبياء يعيشون بعد زوال أزمانهم لأنهم كانوا في أزمانهم ليسوا لأنفسهم .
الدين :
الدين هو الطاعة ، الطاعة لخالقك والعلاقة المثلى بالله أن تكون على طرفي نقيض مع إبليس انظر إن سجودك عند سجدة وأنت تقرأ القرآن تجعل إبليس ينزوي ويبكي . لماذا لانك قدرت على ما لم يقدر هو عليه ،أمرت بالسجود بطريقة غير مباشرة فسجدت فلك الجنة وأمر هو بالسجود بأمر مباشر من ذي الجلال فعصى فله النار إن عافية الدين في البعد عن أربعة، الهوي والكبر والحسد والحرص ،
ولم يتركك الله هكذا في الفراغ في مواجهة إبليس فها هو يمد آدم بميثاق يعصمه فقد أوحى الله له لما أهبط آدم إلى الأرض أربع كلمات كلمة لي وكلمة لك وكلمة بيني وبينك وكلمة بينك وبين الناس أما الكلمة التي لي فهي أن تعبدني لا تشرك بي شيئا ، وأما التي هي لك فأنا أجزيك بعملك ، وأما الكلمة التي هي بيني وبينك فمنك الدعاء ومني الإجابة ، وأما الكلمة التي بينك وبين الناس فهي أن تعدل فيهم وتنصف بينهم.ويرسم رسول الله صلى الله عليه وسلم دستورا أمثل للإنسان يحدده علاقته بالله ، وبنفسه وبالإنسان فأما علاقته بالله فهي : اتق الله واتقاء الله في اتقاء ناره ، فابتعد عن كل ما ينهي بك إلى جهنم ، وأما علاقته بنفسه فهو أن يتتبع سيئته بضدها وأما علاقته بغيره فتقوم على حسن المعاملة وأن تنزل الآخرين منزلة نفسك فلا تفعل معهم إلا ما ترضاه لنفسك .
لهذا لم يكن غريبا .. والإنسان هكذا أن يصدر الأمر قبل أن يعي حتى الإنسان بنفسه وبقدراته العظيمة تلك 0اسجدوا لآدم ) وليس آدم وحده بل السجود كان لكل نوراني يتمتع بتلك الصفات، لقد كان آدم يحمل داخله كل ذريته فالملائكة لم تسجد له وحده ، بل سجدت لكل من يحمل هذا النور، إذا أردت أن تكون ممن سجدت لهم الملائكة فاحرص على تلك الصفات فوربي .. إنك منهم.


















