×
8 شوال 1445
16 أبريل 2024
المصريين بالخارج
رئيس مجلس الإدارة: فوزي بدوي
مقالات

مذكرات مهاجر مجهول (31)

المصريين بالخارج

و بدأت العمل في ال "سي دبليو سي" و هذا كان اسم تحالف الشركات العاملة في نفق القاهرة الكبرى للصرف الصحي في موقع الزاوية الحمراء.

النفق كان مزود بانوار شديدة و بكاشف ليزر يبعث خط ضوئي احمر اللون امام الحفارات ليمثل مركز النفق، و كانت هناك ايضا بعض الانفاق الجانبية الصغيرة.


كان الضغط العالي للهواء يغير من طبيعية الاصوات فتسمع لنفسك صوت متغير "مسرسع"، و هذا ما كان يجعل الحوار صعباً داخل النفق، بالإضافة الى الضوضاء الناتجة عن الحفارة العملاقة و الآلات الاخرى.


و رغم استعمالي السليم لكل جداول التخفيض التدريجي للضغط الا انني كنت دائماً كنت اشعر بآلام حادة في الركبتين لفترة قصيرة بعد خروجي من النفق، غالباً نتيجة وجود فقعات صغيرة جداً من الهواء داخل مفاصل الركبتين، و لكنها لم تسبب لي اي مشاكل حقيقية عموماً.


كان يعمل معي اثنين من الممرضين الانجليز من خبراء طب الاعماق و غرف الضغط و كانوا قد عملوا طوال حياتهم في البحرية الملكية البريطانية قبل ان يخرجوا على المعاش.


كانا دائمي شرب الشاي، لا يكاد ينتهي الواحد منهم من قدح شاي باللبن حتى يملاه بالماء الساخن يضع فيه كيس من الشاي الانجليزي و قليل من الحليب من علب كانت تصل من بريطانيا.


الاكبر سنا كان في حوالي الستين من عمره و كان اسمه بيتر و كان اكبر "معار" قابلته في حياتي. كان ذو مظهر محترم تكاد تحسبه لورداً من مجلس اللوردات، و كان يتحدث بلغة انجليزية سليمة بلكنة شمال انجلترا الانيقة. قال لي ان له ابنة طبيبة اخصائية تخدير تعمل في امريكا و انها تتكلم ٦ لغات. و قال ايضاً ان لديه رخصة قيادة للسيارات و اللوريات و القوارب و طائرات الهيليكوبتر.

و انه يملك فيلا في الكوت دازور (الشاطئ الازرق) في فرنسا. و هكذا دواليك كل يوم يحكي لي قصة و لا ابو لمعة الاصلي و انا اتظاهر بتصديقه احتراماً لسنه.


اما الآخر فكان في منتصف الخمسينات و اسمه مالكوم، كان غلبان و قليل الكلام و الحديث معه لم يكن مسليا بالمرة. كان يأتي من الفندق في بعض الليالي تفوح منه رائحة الويسكي و البصل، فقد كانت هذه هي عادته شرب الويسكي مع مزة من البصل النيّ. و مرة لم يأت لورديته فقلبت عليه الدنيا و وجدوه سكران طينة في صالون الفندق و بالطبع كلمت بيتر ان يأتي مكانه فجاء مسرعا و هو يسب مالكوم و يلعنه بأشنع الألفاظ.


و في ليلة لا انساها و جدت بيتر و هو ينتظرني بفارغ الصبر، و اخذني مسرعا الى غرفة المدير و قال لي "يجب عليك ان تكلم المطافي و الشرطة لاخلاء حي الزاوية الحمراء فورًا". قلت له "لماذا يا بيتر؟".

قال ان واحداً من العمال الانجليز قال له و خارج من النفق انهم وجدوا كهفاً هائلا تحت عمارات الحي و لا يعرفون ما ابعاده و من الخطر بقاء السكان في الحي لان معظم العمارات سوف تسقط في اي وقت. قلت له "هل انت متأكد ؟ هل تعرف ماذا يعني اخلاء حي الزاوية الحمراء؟ لن تكفي المطافي و الشرطة بل ستلزم فرقة دبابات و فرقتين مشاة من الجيش المصري و مئات من اللوريات، على الاقل!!. قال لي افعل ما يلزم فوراً و الا ستكون انت المسئول عن هذه الكارثة المحققة".


قلت في نفسي "يا ليلة سودة "، ثم قررت النزول بنفسي للنفق و نزلت فوجدت العمل يجري على قدم و ساق كالمعتاد ، و سألت احد المشرفين الانجليز فقال انه لا يعرف شيئا ً عن هذا ، و لاحظت انه كان يدخن سيجارة حشيش ، تحت في النفق، اثناء العمل، ففهمت ان الذي اخبر بيتر بوجود الكهف المزعوم لابد و انه كان مسطولاً بعد عدة سجائر من الحشيش.

قلت للمشرف الانجليزي ، كف عن تدخين السيجارة فالتدخين ممنوع في النفق. رد علي بلا اكتراث بالكلمة الانجليزية الشهيرة التي تبدأ بحرف الفاء. قررت ان ابلغ هذا في الصباح لرئيس العمال الانجليز. و فعلا كلمته على انفراد فرد علي بلا اكتراث هو الآخر و قال انهم يعرفون ذلك و لا حيلة له في منعه، و ان مسألة التدخين في النفق ليس بذلك الخطر كما اعتقد". فقلت له "طب و الحشيش؟. قال لي ان هذا يساعدهم على تحمل العمل الشاق و الساعات الطويلة و انه يستحسن لي ان اسكت.


عموما عدت الى خارج النفق و قلت لبيتر انني لم ارى اي كهف تحت. هاج و ماج و قال لي "انت المسئول، انت المسئول، عن حياة مئات الآلاف من البشر بسبب تخاذلك".


لم اجد بداً ساعتها الا ان اكلم رئيسي المباشر الدكتور فيكتور. و ايقظته غالبا من النوم و حكيت الحكاية فقال ان "بيتر دا هجاص ، لا تأخذ بكلامه، و لاتفعل شئ".


قلت لبيتر هذا فطلعت كل شياطينه و برطم بكلام كثيير لم افهمه و خرج من غرفتي صافقاً الباب، و ذهب لغرفته و سمعته طوال الليل و هو يمشي على ارض غرفته التي كانت تقع فوق غرفتي يروح و يجئ و كأسد جريح غضبان.

و جاء الصباح بعد عذاب و لم تحدث اي كوارث كما كان يتوعدنا بيتر. هذا و قد قال لي الدكتور فيكتور بعد ذلك ان مسار النفق قد درس سابقا و لا يوجد اي كهوف في طريقه.


و في احد الليالي جائني رئيس الوردية الانجليزي و معه رجل مصري سائق من سائقي الونشات العالية في اول وردية له.

و كانت مهمته ان يجلس في كابينة القيادة على ارتفاع لا يقل عن ٤٠ - ٥٠ متر و عليه تحريك ذراع الونش حسب متطلبات العمل. قال لي الانجليزي "دكتور اشراد (و هذا كان اسمي عندهم) "اني اشك ان هذا السائق عنده مشاكل في نظره".

و فعلا كشفت على نظر السائق فوجدته شيش بيش فعلا. فقلت له "يا رجل كيف تتجرأ على القيام بهذا العمل و نظرك هكذا؟". رد "يادكتور خليها على الله، كله ماشي بالبركة". بالطبع منعته من العمل على الونش و ارسلته لعمل لا تلزم فيه جودة النظر و الى طبيب عيون لعمل نظارة نظر.


كان العمال البريطانيون و خاصة الويلز منهم على درجة من الجهل لم اكن اتصورها، بل و كان بعضهم لا يعرف القراءة و الكتابة. كان حديثهم كله محشو بالكلمة الانجليزية الشهرية و التي تبدأ بحرف الفاء. فمثلا جاءني احدهم و قال "لقد صحت هذا الف صباح ب ف صداع فاخذت ف بارسيتمول فلم يفعل ف اي شئ، فقلت اذهب لل ف دكتور و اسأله بعض ف شئ لل ف صداع". و هنا عرفت مصدر قولنا "هو انت هتفكفك معايا!".


كان معظم العمال الويلز آتون من بلدة واحدة اسمها:
Llanfairpwll-gwyngyllgogerychwyrndrob
wllllantysiliogogogoch
و هو اطول اسم لبلدة في العالم و كانوا يتكلمون فيما بينهم بلغة اخرى غير الانجليزية ، عرفت بعد ذلك انها لغة ويلز و هي لغة رسمية في ويلز بجانب الانجليزية. و لم يكن كلامهم مفهوم لي حتى و ان تكلموا الانجليزية لأن لكنتهم كانت صعبة جداً فكنت دائما احتاج لمترجم عندما كنت اكشف عليهم.


و كان يقام ايامها كأس العالم عام ١٩٨٦ و كانت هناك تلك المباراة الشهيرة بين انجلترا و الارجنتين. و طلب مني رئيس الوردية الانجليزي أن اسمح للعمال الانجليز برؤية المباراة في مكتبي حيث يوجد التليفزيون الوحيد في الموقع. حضر حوالي ٣٠ نفر من العمال الانجليز و انحشروا في المكتب جالسين معظمهم على الارض. كنت اشجع الارجنتين ليلتها و لكني حاولت اخفاء ذلك لمجاملتهم. و حين ادخل مارادونا هدفه الشهير باليد سمعت كمية هائلة من ال ف و شتيمة زاعقة للحكم التونسي المسكين. و سكتّ حيث ادركت انهم على آخرهم و أن الجو متكهرب على الآخر. و لكن عندما ادخل مارادونا الهدف الثاني بعد دقائق قليلة و الذي مسخر فيه كل الدفاع الانجليزي و اسموه بعد ذلك "هدف القرن"، لم استطع اخفاء حماسي و صرخت بأعلى صوتي و رفعت ذراعيّ في فرحة عارمة. هذا بالطبع افحم الانجليز و رأيت في عيونهم الغضب و قررت ان قال احدهم شيئاً فسوف اطردهم من المكتب، و يبدو انهم فهموا ذلك فلم يفتح اي منهم فمه، و عندما انتهت المباراة خرجوا و هم يبرطمون ب فائهم المعتادة.


عموما كنت سعيداً بهذا العمل بجانب العمل في المستشفى الايطالي و كنت ادرس الايطالية اثناء الليل فلاحظ ذلك بيتر فسألني "لماذا تدرس الايطالية؟"، قلت له انها دراسة اللغات هواية عندي. و بعد عام و نصف من هذا المنوال الجحيمي بدأت عضلاتي تشتكي من قلة النوم حيث لم تكن ترتخي وقتا كافيا و احسست بآلام و احياناً بتقلصات موجعة. قررت ان اترك العمل في ال سي دبليو سي و اعمل فقط في المستشفى الايطالي رغم الخسارة المالية الكبيرة. و كانت ادارة المستشفى قد قررت زيادة مرتباتنا بثلاث مئة جنيه في الشهر مرة واحدة و ذلك بفلوس مدفوعة من جانب التعاون الدولي الايطالي بعد ان ادرك الطلاينة ان مرتب من ٥٢ جنيه شهريا ً كان قليلا جداً.


و بدأت ايضا في دراسة ماجستير القلب و كان يلزم العمل في مستشفى و إلا لم اكن لاقبل في مدرسة التخصص في كلية الطب بجامعة عين شمس.
و عندما قلت لبيتر انني سأعمل في المستشفى الايطالي قال"آه، الآن فهمت لماذا كنت تدرس الإيطالية!.


و عدت من افكاري على صوت خفقات أجنحة بجعة خرساء و هي تقلع للسماء من مياه بركة حديقة هايد بارك في لندن.


و عدت لايطاليا و بدأت مرحلة مستقرة نوعاً ما من حياتي، بين العمل و الدراسة و الروتين العائلي، و التي دامت حوالي ثلاث سنوات.


و بعدها تغير الحال و كما يقال "بقاء الحال من المحال"، و لكني سأحكي لكم عن هذا في الجزء الثاني من هذه المذكرات.
و هكذا انتهى الجزء الاول من هذه المذكرات و الى لقاء في الجزء الثاني.

استطلاع الرأي

أسعار العملات

العملةشراءبيع
دولار أمريكى​ 29.526429.6194
يورو​ 31.782231.8942
جنيه إسترلينى​ 35.833235.9610
فرنك سويسرى​ 31.633231.7363
100 ين يابانى​ 22.603122.6760
ريال سعودى​ 7.85977.8865
دينار كويتى​ 96.532596.9318
درهم اماراتى​ 8.03858.0645
اليوان الصينى​ 4.37344.3887

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 2,069 شراء 2,114
عيار 22 بيع 1,896 شراء 1,938
عيار 21 بيع 1,810 شراء 1,850
عيار 18 بيع 1,551 شراء 1,586
الاونصة بيع 64,333 شراء 65,754
الجنيه الذهب بيع 14,480 شراء 14,800
الكيلو بيع 2,068,571 شراء 2,114,286
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

مواقيت الصلاة

الثلاثاء 11:46 صـ
8 شوال 1445 هـ 16 أبريل 2024 م
مصر
الفجر 03:56
الشروق 05:27
الظهر 11:55
العصر 15:30
المغرب 18:23
العشاء 19:44