أمريكا تنزف في وداع ترامب
رامي علم الدين المصريين بالخارج
ماذا يحدث هناك ؟ما حدث مع الإتحاد السوفيتي السابق هل ممكن حدوثه للولايات المتحدة ؟أغلب الظن أن بوتين شعر بمتعة غير مسبوقة.
في بيئه مُضطربه سياسياً، ستنشغل أمريكا طويلاً بتضميد جراحها بعد موقعة الكونجرس،وفي هذه الاثناء سيواصل بوتين تحريك بيادقه، وستواصل الصين تقدمها الممنهج لطي صفحة العصر الأمريكي مخطط دأبت علي تنفيذه بصبر وأناة، ظهور أمريكا في صورة أمة هشة ومنقسمة، يصعب التنبؤ بالتطورات في الساعات القادمة، تظل الخطوات المصرية محسوبة حتي لو إضطرت التكتيكي دون عودة مطلقاً إلي الخلف، أو حتي سكون الحركة، بهدوء دبلوماسي تحاول مِصر أن تتدفق حول الأزمات من أجل إحكام السيطرة عليها، ودون خطابات شعبوية وعبارات تلهب العواطف، يحتفظ صانع القرار بقدرة مُذهلة علي الثبات الإنفعالي، هي دون شك محط تعجب و إندهاش يشوبه شئ من القلق لكنه بالتأكيد قلق صحي مرده ثقة في سلامة الرؤية، وتفاؤل حذر لتزايد التحديات، لا شك أن الجائحة وما يحدث اليوم بالولايات المتحدة سيغير تماماً علاقة الشعوب بالطبقة الحاكمة فى أوروبا والعالم ولوقت ليس بالقصير .
تنهال الطعنات الآن وتتوالي على "دونالد ترامب" قبيل رحيله من كل جانب ومن العدو والصديق علي حد سواء، انطبقت علية مقولة قيصر " حتي أنت يا بروتس !".
ورغم أن ترامب يستحق عن جداره كل ما يحدث له ، إلا أنه يمثل ظاهرة فريدة في تاريخ أمريكا ، وحالة متكررة عبر التاريخ في أماكن وأزمنة أخري، بل أقول أن أكثر من سبعين مليون أمريكي وربما نصف الشعب الأمريكي يؤيدون هذا الأخرق وما قدمه لهم من خدمات، أي أنه يمثل ظاهرة وحالة شعبية جديرة بالدراسة والتأمل ، خاصة وأنه نجح بكل طرق الاحتيال والالتواء والاعتدال في أن يصبح من كبار أثرياء العالم وفي أن يصبح رئيساً لأقوي قوة علي سطح هذا الكوكب،وهذا ينفي عنه صفة الغباء والسزاجة،كما أنه ليس من الإنصاف تحميله بمفردة مسئولية ما وصل إليه وما أوصل بلاده والعالم إليه .
ثم أنني أحترم في الرجل شجاعته التي وصلت إلي حد التهور والحماقة ، وصراحته الشديدة وصدقه والتزامه بوعوده، فلقد أعلن مسبقا وبكل وضوح دعمه المطلق لإسرائيل، واعتزامه الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة أبدية لها ونقل سفارة بلاده إليها ، والاعتراف بضم المستوطنات وضم الجولان ويهودية الدولة وغير ذلك ، فيما أسموه صفقة القرن الشهيرة، والتي تتكشف يوما تلو الآخر، ونفذ ما أعلنه بكل حذافيرها .
ولم يحنث الرجل بوعد واحد قطعه علي نفسه لإسرائيل،بل كان الخادم الأمين، والمخلص لكل عثرات السنوات، وخدم اليهود أكثر من قادتهم أنفسهم، رغم أنه ينال الآن جزاء من اليهود مكافاة له علي عظيم خدماته الجليلة لإسرائيل، كما أنه أعلن مسبقا وبلغة غاية في الوقاحة أنه سيقاسم حكام الخليج ثروات بلادهم وسيكون له فيها النصيب الأكبر،وقد التزم الرجل بكلمته ونفذها أيضا بحذافيرها ، وفرض إرادته علي منطقتنا ومازال يفرضها حتي الساعة، كما نفذ الرجل كل وعوده بشأن إيران والصين وأوقف مساهمات بلادة في الصحة العالمية والمناخ ودعم بقوة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي ودق أول مسمار وإسفين في تماسكه ووحدته المستقبلية .
إذن كان الرجل صادقا مع نفسه .. واضحا في إعلان نواياه .. شجاعاً وناجحا في تنفيذها بعد أن سبق وبلورها في برنامج انتخابي فاز بموجبه بثقة الناخب الأمريكي رئيسا وفاز بأكثر من سبعين مليون صوت كاد أن يحسم بها الولاية الثانية لصالحه لولا ما تردد عن دور مؤسسات الدولة العميقة في أمريكا التي مازال كثير من الأمريكيين وغيرهم مقتنعين بأن ترمب لم يخسر الإنتخابات ولكن تم اسقاطه بفعل هذه المؤسسات .. وهو قول لا أملك سبل نفيه أو إثباته أو حتي التعليق عليه .
لعلنا نري أوجه التشابه الواضح "أريل شارون" الذي لم يخدعنا كغيره من قادة إسرائيل وأعلن بكل وضوح قبيل وصوله لسدة الحكم في إسرائيل أنه يكرهنا ويحتقر كل العرب ، وكان - لعنة الله وغضبه عليه - شجاعا ومخلصا وجادا في تنفيذ وعودة ومشاعره نحو الأمة العربية وشعوبها، ونال الشعب الفلسطيني قسطا كبيراً من حكمه العنصري الغاصب، وكان عونا لنا بحق في تأكيد حقيقة الوجه القبيح لإسرائيل وللصهيونية وللفكر الإستيطاني الذي يمثل تطبيقها العملي، رحل شارون وسيلحق به ترامب في القريب العاجل ، ولكن أعمالهما ستبقي معنا وسنعاني منها حينٌ من الدهر .
بعد التصديق على فوز "بايدن" بدون الإستماع لأدلة التزوير، بدأ ذعر الكونجرس من ردة فعل ترامب وأنصاره ، وأهمها رفع السرية عن الملفات الخاصة (declassify) والتي تكشف تورط شخصيات رفيعة المستوى، لذا تحركوا بسرعة لتكميم أفواه ترامب من منصات التواصل الإجتماعي والتي بلغت 12 منصة، بإمكان ترامب رفع السرية عن ملفات عدة كنوع من الضغط : فضح أسرار حول الرئيس السابق باراك أوباما، ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، أسرار حول تأسيس داعش، مجزرة بنغازي ومقتل السفير الأمريكي، مقتل زعيم القاعدة، بن لادن، فضائح جو بايدن وإبنه هانتر بايدن، أسرار حول جفري أپستين، والجمهوري المخضرم جون ماكين، أسرار مرتبطة بتدخلات روسيا، والتعاون الخفي مع الصين، أسرار مقتل جون كيندي الرئيس الأمريكي السابق، ملفات حول المتاجرة بالأطفال
وغيرها.
ولعل حادث اقتحام "الكونجرس" واختفاء عدد من الحاسبات الشخصية (لاپتوپ) لأعضاء في الكونجرس الأمريكي بعد عملية الإقتحام، تجعلنا نطرح عدة اسالة :
من الذين سرقوا الحاسبات؟
ولماذا سرقوا الحاسبات؟
عن ماذا يبحثون بالحاسبات؟!
صرح "جونيور" نجل ترامب الأكبر: العالم يضحك علينا ، هل تتخيلوا ؟ تم أيقاف 12 حساب لدونالد ترامب من الانترنت ، ماتت حرية التعبير في أمريكا، في تقييم للحالة الأمريكية تقول مجموعة الأزمات الدولية : "ملايين الأمريكيين مقتنعون بأن بايدن لم ينتخب بشكل شرعي، والكثير منهم مسلحون، ويبدو أنهم عازمون على اللجوء إلى إجراءات متطرفة، حان الوقت لأمريكا التي أمضت عقوداً وهي تخبر الدول بما يجب
أن تفعله لحل مشاكلها أن تقوم هي بمراجعة الذات"
لم تنفجر "أسابيع الجمر" في الشرق الأوسط كما كان يتوقع كثيرون، وإنما إنفجرت في الكونجرس الأمريكي نفسه، ما حدث لا ينتهي بذهاب ترامب ..لقد نشأ ليترك آثاره ويحدث تغييرات عميقة في النسيج السياسي والمجتمعي الأمريكي وإن إتسمت بالبطء، ما فعله ترامب سيرتد على الحزب الجمهوري والمحافظين في الداخل الأمريكي، وعليه شخصياً، وعلى صورة أمريكا في العالم بشكل أساسي.