في استراحة الجمعة محسن طاحون يكتب عن ”الفساد”
محسن طاحون المصريين بالخارجعُــرف الفساد ببساطة شديدة بأنه الخروج عن المألوف و أطر القوانين المنظمة لحياة البشر والمجتمعات .. والفساد اليوم تشتكي منه كل الأمم, وتئن منه كل الدول, وسببه الأول هو قلة الخوف من الله, قلة مراقبته, الغفلة عن الموت ويوم الحساب والقبر والميزان والصراط والجنة والنار.
وحقيقة أتعجب من إنسان ينعم عليه الله بأن يكون محل ثقة جهة عمله او دولته و يسندون إليه مهام عظيمة ذات تأثيرات كبيرة سواء على جهة عمله اذا كان مديراً او ما علاه ..او على شعب بلده اذا كان وزيراً او مسئولاً كبيراً في هيئة او محافظة .. و عادة يصحب المكانة او المنصب بعض المزايا المادية و العينية و المعنوية التي توفرها له حسب الانظمة و القوانين فيرزقه الله بدخل طيب و ووسائل تيسر حياته و احترام و تقدير من حوله .. و مع ذلك لا يحفظ نعمة الله بل يغتر بنفسه و يغويه شيطانه ليسلك طرقاً غير سريه .. فتراه ينحرف و يُعلي المصلحة الشخصية على المصلحة العامة و يصبح وبـــالاً على من وثقوا فيه ..
وحتى في ميدان العمل العام .. الذي يتحمل الانسان فيه مسئولية ادبية تجاه من وثقوا فيه و منحوه دعمهم ووقتهم .. و مع ذلك قد يسلُك البعض سلوكاً لا يتفق و مباديء و اخلاقيات العمل العام التطوعي .. و يُغلب مصلحته الشخصية عن الصالح العام ..
واذا نظرنا الى واقعنا في بلدان عديدة فسنجد في بعض الوظائف والمناصب أموال تُسرق, أموال تهدر, فواتير تُزور, مشاريع حبر على ورق, مُحسوبيات, رشــــاوى, توظيف للأقـــارب والجماعة, والبقية عاطلون عالة على أهليهم ومجتمعهم, تأخير لمعامــلات الناس, معامـــلات بعض الناس تتأخر سنة وسنتين وثلاث, من مكتب إلى مكتب, ومن دائرة إلى دائرة, ومن موظف إلى موظف؛ لأن صاحبها ضعيف أو فقير لا يستطيع دفع رشوة, وليس لديه وسائط, أما صاحب الجاه والمال والكاش والواسطة, فالمعاملات تجري جريًا, وتنجز انجازًا في ساعات وفي أيام وفي أسابيع ..
فساد عريق يدل على سوء التربية و قلة الدين و عدم الخوف من رب العالمين, و يدل على استغلال الوظائف والمناصب في المصالح الشخصية, يدل على عدم الاخلاص, وعلى استغلال مقدرات جهة العمل أو البلد وهدر أموال الناس بالباطل.
و لان الفساد شيء خطير فقد وردت عدة آيات في كتاب الله تتحدث عنه فقال الله -تعالى-: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ)[ص: 28].(إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) [يونس: 81](وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ)[البقرة: 204 - 206].
واذكر المفسدين بقوله تعالي : (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)[غافر:١٩] نعم .. المولى عز و جل لديه علم تام و محيط بجميع الأشياء ، جليلها وحقيرها ، صغيرها وكبيرها ، دقيقها ولطيفها لذا وحب علينا جميعا ان نستحي من الله حق الحياء فيستحيوا و نتقيه حق تقواه .. فإنه تعالى يعلم العين الخائنة وإن أبدت أمانة ، ويعلم ما تنطوي عليه خبايا الصدور من الضمائر والسرائر .
ألا فلنتق الله -جميعا - نراجع أنفسنا, نراجع ديننا وعقيدتنا, نراجع تعاملنا ووظائفنا ومسؤولياتنا, وإذا غابت عنا أعين الرقيب من الناس فإن الله كان علينا رقيبا.