×
20 رمضان 1445
29 مارس 2024
المصريين بالخارج
رئيس مجلس الإدارة: فوزي بدوي
مقالات

مذكرات مهاجر مجهول الجزء الثاني (1) بقلم اشرف على يعقوب

المصريين بالخارج

و مرت بي ثلاث سنوات تقريبا و حياتي تمشي على منوال مستقر، ثابت، و كنت سعيداً بها رغم خوفي الدائم من المستقبل.

و في يوم كلمني احد الاصدقاء من مصر ليسألني ان كنت استطيع مساعدة صديق له تاجر جلود لبدء تجارة في منطقة الفينيتو. و انه سيصل الى تريفيزو من رومانيا في اليوم الفلاني. قلت له لا مانع.

وصل التاجر، و لنسميه "محمود بيه"، و كان عنده حجز في احد فنادق تريفيزو. كان في بوخارست عاصمة رومانيا قبل ذلك.

قابلت محمود بيه في بهو فندقه و حكى لي حكايته. هو تاجر جلود من القاهرة. و قال لي ان الجلود المصرية هي احسن جلود في العالم، و ان الطلب عليها كبير جداً و خاصة من ايطاليا. و قال ايضا انه كان صديقاً شخصياً لتشاوتسشكو ديكتاتور رومانيا الذي اعدمه ضباط جيشه في ثورة ١٩٨٩ الشهيرة. و حكى لي انه كان يعمل مع الصناعة الرومانية و البولندية لسنين طويلة.

كان رجلا متوسط التعليم في اواخر الخمسينات من عمره و كان يلبس بدلة و كرافتة و لكن كان يبدو انه لم يكن متعوداً على لبسهما. شاربه رفيع و شعره مصبوغ و ملزق بكميات كبيرة من الفازلين. كان يدخن باستمرار و بشراهة و رائحة السجائر تفوح من ملابسه. كان ألدغ اللسان و كان "يتفتف" عندما يتكلم. كان يتكلم بثقة غريبة في نفسه و "عنطظة" تليق بواحد من اكبر باشوات زمان.

و كان معه صديق مصري ، ضخم الجثة. عظيم الصلعة، كان يقول انه "مستشار"، و فعلا كان الرجل يبدو على مستوى اعلى من التعليم و لم يكن "يطجن" في الكلام كما كان يفعل صاحبه. و قال لي هذا "المستشار" انه يصاحب "محمود بيه" في كل سفرياته، و لكنه لم يعط لي سبباً لذلك. و قد استغربت كثيراً لماذا يصاحب مستشار تاجر جلود في سفرياته التجارية.

الحقيقة لم ارتح لهذين الرجلين و لكني كنت قد وعدت صديقي العزيز بمساعدة محمود بيه.

شرح لي انه يريد ان يورد الجلود المصرية لصانعي الاحذية في محافظة الفينيتو و هي الشهيرة بوجود أحسن مصانع الاحذية في العالم فيها. و المعروف ان الاحذية الإيطالية هي ارقى و اشيك و امتن انواع الاحذية في العالم كله. و هذا صحيح عن تجارب سنين فالحذاء الايطالي يظل في قدميك محافظا على رونقه و جماله لأعوام طويلة و قد قارنته بالاحذية الانجليزية و كان احسن منها بكثير. معظم مصانع الاحذية الايطالية توجد في محافظة الفينيتو شمال شرق ايطاليا ، و تقريبا اهمها يوجد في مدينة مونتبيللونا التي اعيش فيها.

قال لي محمود بيه ان الجلود المستخدمة هنا (في ايطاليا) معظمها يجئ من البرازيل و هو البلد الثاني المعروف بجودة جلوده و لكن الجلود المصرية احسن. و اراني كتالوج لشركته فيه كل انواع الجلود التي ينتجها و منها ايضا جلد النوبوك افخم و اغلى انواع الجلود.

قال انه وجد ارتفاع كبير مفاجئ في طلب الجلود من رومانيا في الشهور السابقة على وصوله لايطاليا. سأل عن ذلك فقيل له ان الإيطاليين فتحوا، أو بالأحرى، نقلوا الكثير من مصانع الاحذية من ايطاليا الى رومانيا. و انهم يستفيدون بذلك من ان المصريين يبيعون الجلود في رومانيا بسعر ارخص من السعر الذي يبيعون به الجلود للإيطاليين في ايطاليا. طبعا كان هذا لأن رومانيا كانت تعتبر بلداً فقيراً و لذلك كان لها سعر خاص مخفض. قال لي انه كان يلتقي مع تشاوتشيسكو في كل مرة يذهب فيها لبوخارست، و انه كان يعرف اشخاص مهمين جداً ايضا في بولندا. و انه زار هذين البلدين مرات عديدة منذ الستينيات. و حكى لي مغامراته النسائية فيهما و التي كانت عبارة عن الذهاب لنقطة معروفة في محطة القطارات الرئسية، في بوخارست او وارسو او مدن اوربا الشيوعية الاخرى، فيجد البعض من سيدات و بنات الارياف اللآتي يجئن من بلداتهن ليوم او يومين لجمع بعض النقود من ممارسة البغاء مع السياح، و معظمهم من العرب، و كان سماسرة هذه التجارة، من رجال محليين، يوفرون ايضا الفندق و الطعام و الخمور .

و قال لي ايضا انه جاء لايطاليا ليحاول ان يبيع جلوده لمصانع ايطالية اخرى لا تعمل في رومانيا، بسعر اعلى قليلا من السعر الذي يبيعه به في رومانيا، و لكنه اقل عموما من سعر الجلود البرازيلية.

قال لي ان معه بعض العناوين و اراد مني ان ارافقه لهذه الشركات و المصانع للتفاوض ، و قال لي انه سيدفع لي اجراً لذلك!

لم ارى منه شيئاً بالطبع رغم تعبي معه.

و اصر، هو و المستشار، ان ابقى معهما للعشاء في مطعم الفندق، فوافقت. و كانت ليلة ليلاء.

دخلنا مطعم الفندق و جلسنا على طاولة دائرية انيقة. حضر النادل و عرض علينا قائمة الاطعمة. اخترت انا و المستشار اطباقاً من المكرونة المتوفرة في القائمة، اما محمود بيه فلم يعجبه شئ، و طلب فقط زجاجة من النبيذ الاحمر. قلت له يجب ان يأكل شئ مع هذا النبيذ و الا قد يتسبب هذا في آلام في المعدة أو غيره. قال ان نفسه في بيض بالبسطرمة. قلت لي لا توجد بسطرمة في هذا المطعم و لا في كل ايطاليا و اقترحت عليه ان يتذوق البريزاولا ، و هي لحم بقري مجفف، يشبه البسطرمة و لكن ليس عليه بهارات و توابل او ثوم. قال اجربه. سألت النادل ان يحضر لنا بعضاً من البريزاولا. عاد النادل بطبق عليه قدر كبير من شرائح البريزاولا الغامقة الاحمرار. و جربها محمود بيه فلم تعجبه و قال ان ليس لها اي طعم. و لكنه قال انه سيأكلها اذا طبخت على النار مع بيضتين كما نفعل مع البسطرمة.

شرحت النادل المسكين ما يجب ان يفعله مع البريزاولا و البيض و قليهم في بعض من الزيت. فعل ذلك رغم شدة تعجبه و عاد بطبق كبير فيه البريزاولا و البيضتين الساخنين.

تذوق محمود بيه الطبق الجديد فقال لا يوجد فيه توم، و سأل اذا كان من الممكن اي يحضروا له فصين. فطلبت ذلك من النادل المذهول فرد علي ان هذا كثير و انه يرفض ذلك. قلت له اعمل معروف و احضر له من المطبخ فصين ثوم و هو سيقوم بتقشيرهما بنفسه، و ذلك حتى تمر الليلة على خير. في الوقت نفسه رأيت ان محمود بيه قد شرب اكثر من نصف زجاجة النبيذ. عاد النادل و بوزه شبرين مع فصين توم. اخذهما محمود بيه و قشرهما ثم فعصهما بالشوكة ثم وضعهما بيده على البريزاولا و البيض و أخذ يأكل بشهية واضحة.

تنفست الصعداء و اندمجت في حديث مع المستشار الذي كان يقص عليّ بعضاً من مغامراته النسائية في مصر. و رأينا محمود بيه يقوم من على الطاولة بعد ان انتهى من طبق البريزاولا بالبيض فسألته اين يذهب قال لي الى الحمام فشرحت له اين يوجد و تابعته حتى دخل و عدت للحديث مع المستشار.

مر بعض الوقت لا ادري كم، قد يكون نصف ساعة او اكثر، فتساءلنا لما لم يعد محمود بيه من الحمام. و ما كدت استعد للقيام، لأرى ما اذا كان قد اصابه شئ بالحمام، حتى سمعت اصوات هرجلة و مرجلة و صراخ نساء و تدافع للناس، و هم مرعوبين، خار جين من القاعة المجاورة لنا و التي كان يقام فيها حفل زفاف. هرعت الى القاعة لأرى اذا كانت هنا اصابات او حريق او غيره. و من خارج القاعة المجاورة و بعد ان فرغت من الناس الهاربين منها، لمحته، كان محمود بيه واقفا بين الطاولات الفارغة يحملق في الذين تجمعوا عند مكتب استقبال الفندق و هم في حالة غضب شديد. فدخلت بسرعة و امسكت بمحمود بيه و اخذته و اعدته الى طاولتنا و ذهبت لأفهم الموضوع من موظف الفندق. و رأيته و هو يأتي في اتجاهي و وجه مسود و ملامحه غاضبة. تنحيت به جانبا فقال لي ان محمود بيه دخل قاعة حفلة الزفاف و أخذ يعاكس النساء واحدة بعض الاخرى و حاول ان يمسك بأثداء البعض و أن يلمس مؤخرات البعض منهن و هو "يلُعّب" لهن حواجبه و شواربه. و سأل واحدة ان تقبله بعد ان أن حاول حضنها غصباً، و انه بعد رفض النساء و نهرهم له تعصب و بدأ يشتم بلغة لم يفهما أحد.

اعتذرت للجميع بشدة عن ذلك . و لحسن الحظ نجحت توسلاتي المهينة و قولي انه مريض عقلياً و ان النوبة جاءته و كان قد نسي احضار دواءه معه، و ما الى ذلك من الاعذار الغير مقبولة، في جعلهم يصفحون عنه.

و في الصباح التالي ذهبت معهم، و انا في غاية الضيق، الى بعض من الشركات و المصانع القريبة من تريفيزو. مقابلة الناس لنا لم تكن جيدة و لم يرحب اياً منهم بالتعاون معه، بل و رد علينا احدهم بغضب واضح قائلاً انه سوف يتصل هو بمصر ليتولى هو عملية الاستيراد و اننا يجب علينا ان "نخجل" لأننا نسرق عملهم؟؟.

بالطبع نستطيع ان نقول ان هذه المحاولة بائت بالفشل و لكن المشروع لم يمت في ذهن محمود بيه و ترك لي كتالوج جلوده و قال لي تجول انت بين شركات و مصانع الفينيتو لترويج هذه المنتجات. و سافر هو و صديقه لباريس، اما انا فحاولت نسيان الموضوع كله.

و بعد ثلاثة ايام كلمني محمود بيه من باريس و هو في حالة من الهلع الشديد ليخبرني انه اصيب ب "جلطة في المخ". قلت له اذهب الى اقرب مستشفى لك في باريس، قال لا و لكنه حجز طائرة تصل لفينيسا في المساء لانه يريد مني ان "أكشف عليه ". قلت له "لا من الافضل ان تذهب لاقرب مستشفى الآن بدلا من الطيران للوصول عندي". قال انه مرعوب و صديقه المستشار عاد القاهرة و انه لوحده. قلت له عد للقاهرة مباشرة اذن. قال لا، اريدك ان تكشف عليّ.

و هيهات ان استطيع ان اوضح له خطورة الموقف و ان من الخطر ان يطير في هذه الحالة و انه يحتاج لمراقبة وظائفه الحيوية و العصبية في مستشفى. و انهى المكالمة قائلاً لي "قابلني في المطار بعد ثلاث ساعات من الآن".

و توقعت ان هذا الرجل لن يتركني الا و قد ادخلني معه السجن المشدد. و لكني ذهبت لمقابلته في المطار و امري لله، و خرجنا من المطار و هو يترنح و يستند عليّ، و اخذته لمكتبي في المستشفى و كنا في حوالي الحادية عشر و النصف مساءًا و كشفت عليه و تيقنت ان الحكاية كلها لم تكن الا نوبة من القلق الشديد فطمئنته. و رحت معه الى فندق قريب من المستشفى الذي اعمل به و اعطيت له مهدئ و تركته لينام. و في الصباح التالي هرعت به لشركة سياحة و حجزت له على اليطاليا الى القاهرة و كان فيها مكان لحسن الحظ. و عندما وصل للقاهرة كلمني من تليفونه المحمول و اخبرني بوصوله بسلام.

حمدت الله ان كل شئ مر بخير و تعلمت من هذه المخاطرة المرعبة درسا لن انساه في حياتي.

و لم اسمع اي شئ عن محمود بيه هذا بعد ذلك أبداً.

استطلاع الرأي

أسعار العملات

العملةشراءبيع
دولار أمريكى​ 29.526429.6194
يورو​ 31.782231.8942
جنيه إسترلينى​ 35.833235.9610
فرنك سويسرى​ 31.633231.7363
100 ين يابانى​ 22.603122.6760
ريال سعودى​ 7.85977.8865
دينار كويتى​ 96.532596.9318
درهم اماراتى​ 8.03858.0645
اليوان الصينى​ 4.37344.3887

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 2,069 شراء 2,114
عيار 22 بيع 1,896 شراء 1,938
عيار 21 بيع 1,810 شراء 1,850
عيار 18 بيع 1,551 شراء 1,586
الاونصة بيع 64,333 شراء 65,754
الجنيه الذهب بيع 14,480 شراء 14,800
الكيلو بيع 2,068,571 شراء 2,114,286
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

مواقيت الصلاة

الجمعة 07:49 صـ
20 رمضان 1445 هـ 29 مارس 2024 م
مصر
الفجر 04:20
الشروق 05:48
الظهر 11:60
العصر 15:30
المغرب 18:12
العشاء 19:30