تردي الجودة والكثرة الضاغطة
إشكالية مهنيّة نعيشها بين جنبات أغلب المهن بمصر, من بعض مَن يعملون في تلك المهن, تتسبب في انخفاض جودة العمل المقدم للناس, وتتسبب في تأفف الملاك الذين يلجأون إلى بعض الاستشاريين سواءًا القانونيين أو الأطباء أو المهندسين أو غيرهم في شتى المجالات ويصطدمون بنفس المشكلة, بل وقد طالت تلك الإشكالية المؤثِرة حتى بعض المُعلّمين ممن يُفترض فيهم أنهم قدوات لأبنائنا ممن سيحملون مشعل البناء غدًا في مستقبل هذا الوطن.
وأعتبر تلك المشكلة من أهم أسباب تردي الجودة وانخفاض الإتقان الذي نعاني فيه في شتى الميادين المهنية, فضلًا عن المجالات الحرفية التي نحتاج فيها الإتقان وتتطلب مستويات من الدقة, التي بدونها قد نكون في كوارث صحية أو إنشائية أو تعليمية أو أو ,, إلخ.
ولن أطيل عليكم وأعتقد بأن كثيرين من القراء قد توصل لتلك المعضلة التي بكل تأكيد قد مر بها, ألا وهي استقبال أعمال تشكل كثرة ضاغطة, وتكون أحيانًا أكثرمن القدرة الاستيعابية لمن سيقوم بالعمل وفِرَقه العاملة معه.
وإذا أردت أن استفيض في مثالٍ واحد من المجالات المهنية فسيكون في المجال الهندسي والتصميمي, والذي ألاحظ فيه المعاناة الكبيرة لبعض من يطلبون الخدمات الهندسية لدى بعض الاستشاريين المتخصصين, حيث يتم تأخير الأعمال وتقديمها بشكل غير مرضٍ للعميل المالك في هذه الحالات, وإذا ما دققنا في الأمور لوجدنا أن أكبر سبب في ذلك هو استقبال أعمال أكبر من القدرة الاستيعابية لمقدمي الخدمات الهندسية والاستشارية, مما يجعل المنتج منخفض الجودة ومتأخرًا عن البرامج الزمنية المتفق عليها.
وأعلم أن هناك أسبابًا أخرى كثيرة, ومنها ما قد يكون المتسبب فيها أيضًا العميل المالك نفسه, بعدم قناعته في الاختيار إلا على أساس القيمة السعرية وحسب, مما يجعل العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة, في حين تزداد العملة الرديئة رداءةً بسبب تزاحم الأعمال لديها بأكثر من استيعابها, فضلًا عن عدم الكفاءة المهنية التي قد قابلها الانخفاض السعري.
وفي الحقيقة أرى أن محاولة حل هذه الإشكالية يكون بالعمل على محورين أساسيين, هما التوجية الديني في قضية الرزق, والتنظيمات المهنية من الجهات النقابية للمهنة,بمعنى وجوب زيادة الجرعات الإيمانية التي تعني بموضوع الرزق وبأنه لن يزيد إذا ما تكالب البعض على الأعمال التي تفوق قدرته الاستيعابية والمهنية, لأنه سيظلم العميل سواءًا كان مالكًا لعقار أو مريضًا أو طالبًا أو أو إلخ, مما سيستوجب العقاب في الدنيا والآخرة, وفي نفس الوقت لن يأتيه من الرزق إلا ما قد كان كُتب له منذ الأزل.
ويتزامن مع ذلك جهودًا حثيثة مطلوبة من النقابات المهنية والحرفية, تنظم العمل وتحدد فئات محددة للأعمال حسب قدرة المكان الذي يقدم الخدمات, وبشكل واضح, وأعتقد بأن أرباب كل مهنة من النقابيين يعرفون كيف ينظمون مهنتهم ويضعون إجراءاتها التنظيمية التي تجعل العمل مهندما وليس متاحًا لمن لديه كفاءة ومن ليس يملكها.
إن قضية الجودة وتدنيها, تحتاج منا جميعًا لوقفات ليست عارضة, ولنقاشات ليست عابرة, ولتفكّرٍ وتدبر لحصر أسباب ذلك, إذ أنها قضية محورية تؤدي إلى نهضة الوطن أو انتكاسته – لا سمح الله - في شتى مجالات الحياة


















