×
19 رمضان 1445
28 مارس 2024
المصريين بالخارج
رئيس مجلس الإدارة: فوزي بدوي
مقالات

مذكرات مهاجر مجهول الجزء الثاني (2) الورشة - 1

المصريين بالخارج

اذا تذكرتم، انا تحدثت سابقًا عن شاب مصري ضرب واحد من موظفي القنصلية الايطالية في القاهرة في منتصف الثمانينات، و ان هذا الموظف دخل العناية المركزة عندنا في المستشفى الايطالي على اثر هذه العلقة. الحقيقة انه دخل العناية المركزة فقط لان بها طاقم عمل ايطالي ليس الّا، و قد كانت اصابته خفيفة عبارة عن كدمات و رضوض من أثر اللكمات التي وجهها له حمدي. هذه المصادمة خرجت ايامها على الجرائد المصرية و الايطالية و انتهت على خير بدون ان يتعرض حمدي لأية مساءلة قانونية.

حمدي الآن من أعز اصدقائي ، و لكن اول مرة اقابله فيها كانت بعد هذه الحادثة ب ١٨ سنة، و في مستشفى مونتبيللونا حيث كنت اعمل. و اليكم قصة حمدي و هي قصة مهمة و مؤثرةً و مليئة بالعِبْرات و العَبَرات .

حمدي شاب مصري من قليوب. لطيف المعشر، صافي النية، خلوق و مهذب في الفاظه و تصرفاته، انيق في لبسه و كريم الطبع جداً. حصل على تعليم متوسط و كان يمارس رياضة كمال الاجسام و هي ما تركته في فورمة ممتازة و قوام رياضي حتى الآن و قد قارب السبعين من عمره.

في اواسط السبعينات لم يكن هناك اي عمل متاح له في مصر ، و كان له ابن عم يعيش في ايطاليا. تراسل مع ابن عمه و هذا وجد له عملاً في منطقة تريفيزو التي تقابلنا فيها فيما بعد، بعد سنين طوال.

في عام ١٩٧٦ حصل على فيزة ايطاليا بسهولة فقد كانت سهلة في تلك الأيام ، و حجز تذكرة على الباخرة المبحرة من الاسكندرية إلى فينيسيا كما نصحه ابن عمه. و ترقرقت عيناه بالدموع و هو يرى الشاطئ المصري يختفي وراء البحر و السفينة تسرع به الى الشمال.

وصل فينيسيا في المساء و في الميناء لم يعرف ماذا يفعل و كيف يصل للمكان الذي اعطى له ابن عمه عنوانه. كان قد قال له خذ قطار الى تريفيزو و هناك اطلب رقم التليفون هذا و سيأتي صاحب العمل لأخذك. و لكنه لم يعثر على محطة قطارات و لم يسعفه القليل من اللغة الإنجليزية الذي يعرفه، ففكر بسرعة و قرر ان يأخذ تاكسي و هذا ما فعله و اعطى العنوان لسائق التاكسي، و لكنه رأى الدهشة على وجه السائق الذي قال له شيئاً باللغة الايطالية فهم منه انه يسأله هل انت متأكد؟ اجابه بنعم، و تحرك التاكسى و خرج من الميناء ثم اخذ ما يشبه طريق سريع مستقيم عبر الحقول المترامية ثم خرج منه و سار في طرق صغيرة متعرجة. و مر وقت طويل، اكثر من ساعة، حتى وصلا الى بيت خارج ما كانت تبدو و كأنها قرية صغيرة. كانت الساعة قد قاربت الحادية عشر مساءاً و ضرب السائق الجرس الذي على البوابة فخرج لهم رجل في منتصف الأربعينات من عمره و تحدث مع السائق، و قال له ما بدا لحمدي و كأنه يقول له نعم انا انتظره، ثم ابدى الرجل ذهوله من ان التاكسي قد جاء من ميناء فينيسيا، و عاد الى المنزل ثم رجع و معه محفظته و دفع الاجرة لسائق التاكسي و هو يبرطم بعبارات استنكار و يوجه بعض كلامه الى حمدي الذي فهم انه غاضب من دفع الاجرة الغالية و ان الاتفاق انه كان على حمدي ان يكلمه من محطة قطارات تريفيزو القريبة فيذهب هو بسيارته لإحضاره. اعتذر له حمدي بكلمة انجليزية يبدو ان الرجل فهمها.

سأل الرجل حمدي عن اسمه، ثم قال له ان اسمه جيوفاني و انه هو صاحب "المصنع" الذي سيعمل به. و قاده الى سلم اسمنتي يقود لبهو منخفض السقف تحت ارض المنزل واشار لباب مغلق و قال له هذه هي غرفتك و اشار الى باب آخر بجانب باب الغرفة و قال هذا هو حمامك ، و خرج مسرعاً و سمع حمدي خطوات الرجل الثقيلة و هو يصعد الى داخل المنزل و تهيأ له انه سمع صوت امرأة و هي تبرطم بكلمات غاضبة.

شاهد حمدي الغرفة و انقبض قلبه، كانت صغيرة فيها سرير ضيق و ترابيزة صغيرة و كرسي واحد و دولاب قديم و لاشئ آخر. و كان الحمام خارج الغرفة، صغير و مظلم، و له شباك صغير و دش مصدي. اخذ دش سريع بعد ان اخرج امتعته من الحقيبة و رجع للغرفة و هي يغطي عورته بالفوطة الصغيرة التي كانت معه، و لبس البيجاما التي كانت معه و نام على السرير، نوما متقطعاً، حتى أتى الفجر و اضاء الغرفة بنوره ، فلم تكن هناك ستارة او غيره على الشباك الصغير الذي يوجد تحت السقف مباشرة.

و قام حمدي و ذهب للحمام ثم لبس ملابسه و انتظر في الغرفة فلم يعرف ماذا يفعل. سمع طرق على الباب في حوالي السابعة و وجد جيوفاني امامه و معه صينية فوقها افطار و كنكة إسبرسّو تفوح منها رائحة القهوة الساخنة، اشار له ان يفطر و انه سيعود بعد نصف ساعة. عاد جيوفاني كما قال بعد حوالي نصف ساعة و اشار له ان يتبعه. خرجا من الغرفة و توقع حمدي ان يأخذا سيارة جيوفاني و يذهبان الى المصنع. و لكن جيوفاني فتح باباً مجاوراً لباب غرفة حمدي و دخل و اشار لحمدي بالدخول.

دخل حمدي فوجد ما فهم انه ورشة بها عدة آلات لم يفهم فيما تستخدم. كان في الورشة كرسيان قديمان و ترابيزة مستطيلة فوقها ما يشبه شرائح من جلد عريض مكومة فوق بعضها، و بجوارها بعض من الادوات الحديدية فهم انها بنس و مفكات و سكاكين صغيرة معقوفة.

بدأ جيوفاني في شرح ماذا يصنع في هذة الورشة، فهم حمدي ان ما يصنع هنا هو نوع من الاحذية البوت. عرف بعد ذلك ان هذه الاحذية تستخدم في بعض الاعمال الشاقة و في تسلق الجبال و انها غالية الثمن لأنها تصنع بالكامل باليد.

بدأ يتعلم من جيوفاني رغم حاجز اللغة. و تعلم بسرعة. و في منتصف النهار بالضبط تركه جيوفاني ليأكل الغداء، و قال له سأعود بعد ساعتين. و في نفس اللحظة وصلت امرأة في اوائل الأربعينات ، فهم حمدي انها زوجة جيوفاني ، و هي تحمل صينية بها طبق مكرونة و قطعة لحم و سلاطة و كوب من الماء و قطعة قماش صغيرة، و كنكة قهوة مثل التي حصل في الصباح. اكل و حمد الله و شرب القهوة ، و تمدد على السرير. و بعد حوالي نصف ساعة سمع خبط على الباب و فتح فوجد السيدة مرة اخرى و هي تشير له انها ستأخذ الصينية. اخذت الصينية و خرجت و هي ترمق حمدي بنظرة غريبة و على شفتيها ابتسامة غير مفهومة.

عاد جيوفاني كما قال بعد ساعتين و استمرا في العمل حتى السابعة مساءًا و اظهر جيوفاني اعجابه بسرعة تعلم حمدي الصنعة الجديدة بالنسبة له. و خرج جيوفاني و قال له ساراك في الصباح و جاءت زوجته بصينية عشاء مشابهة لصينية الغذاء ، ثم عادت بعد العشاء لتأخذ الصينية و تركته وحده و على وجهها نفس الابتسامة المبهمة.

جلس حمدي على الترابيزة الوحيدة بعد ان اخرج من حقيبته الاجندة التى احضرها معه من مصر ، و كتب فيها كل الكلمات الإيطالية التي تعلمها في يومه الاول، و راجع ذهنيا تفاصيل العقد الذي اخبره بها ابن عمه. كان الاتفاق ان المرتب ٣٠٠ ألف ليرة شهريا مع الاقامة و الطعام. حوّل قيمة المرتب للجنيه المصري و اعجب به خاصة انه ادرك انه ليس هناك مصاريف حياتية تذكر.

و مر اليوم التالي على نفس المنوال، و عملا ايضا يوم السبت ، و لكن الاحد كان يوم الراحة. كان اول احد له في ايطالي ممطراً فلم يخرج من غرفته، و لكنه شاهد من شباكها الصغير ان جيوفاني خرج مع عائلته المكونة من زوجته التي رآها و ابنته التي كانت في أوائل العشرينات و التي لم يقابلها أبداً في اسبوعه الاول.

و مر اسبوع آخر و الحال هو نفس الحال. و في الأحد التالي خرج ماشياً على الطريق الذي امام المنزل و ذلك بعد ان خرجت عائلة جيوفاني. و لكنه ادرك سريعاً ان البيت بعيد عن كل المنازل من حوله. كانت المنطقة تبدو منعزلة و تقع في سهل ممتد تحت تلال قريبة خلفها جبال عالية تغطي قممها الثلوج. عرف بعد ذلك ان هذه التلال تسمى تلال أزولو و أن الجبال البعيدة هي جبال الألب الشهيرة. عاد الى غرفته التي كان قد ترك بابها مفتوحًا و لكنه اكتشف ان باب البهو قد أغلقته الرياح التي عصفت منذ قليل ناذرة بوصول وَدَقٍ من المطر الغزير. عاد مسرعا و قد اصبح الجو بارداً جداً فجأة رغم انه كان في ابريل، و حاول ان يفتح الباب الصاج فلم يستطع، و لم يكن امامه الا ان يجلس امامه حتى تعود العائلة بينما تزمجر العاصفة و تهطل سيول من الامطار فوق رأسه.

و سنكمل قصة حمدي في المرة القادمة ان شاء الله.

استطلاع الرأي

أسعار العملات

العملةشراءبيع
دولار أمريكى​ 29.526429.6194
يورو​ 31.782231.8942
جنيه إسترلينى​ 35.833235.9610
فرنك سويسرى​ 31.633231.7363
100 ين يابانى​ 22.603122.6760
ريال سعودى​ 7.85977.8865
دينار كويتى​ 96.532596.9318
درهم اماراتى​ 8.03858.0645
اليوان الصينى​ 4.37344.3887

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 2,069 شراء 2,114
عيار 22 بيع 1,896 شراء 1,938
عيار 21 بيع 1,810 شراء 1,850
عيار 18 بيع 1,551 شراء 1,586
الاونصة بيع 64,333 شراء 65,754
الجنيه الذهب بيع 14,480 شراء 14,800
الكيلو بيع 2,068,571 شراء 2,114,286
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

مواقيت الصلاة

الخميس 04:05 مـ
19 رمضان 1445 هـ 28 مارس 2024 م
مصر
الفجر 04:21
الشروق 05:49
الظهر 12:00
العصر 15:30
المغرب 18:11
العشاء 19:29