المنصورة مدينة نمساوية!
بهجت العبيدى المصريين بالخارجبعث فِيَ هواء مدينة المنصورة عاصمة محافظة الدقهلية نوعا خاصا من المشاعر والأحاسيس، حيث كان يبعث في نفسي بهجة وسعادة، بمجرد أن تصل السيارة على أبواب المدينة، أفتح نافذتها لأتنسم هواء المدينة الجميلة، ليأخذني لعالمها الخاص، كان ذلك في ثمانينات القرن الماضي، حيث كلية الآداب التي أدرس بها، والتي كانت تقع خارج الحرم الجامعي لجامعة المنصورة، كان مبنى كلية الآداب جميلا ومدرجاتها أنيقة، وحديقتها جذابة، وطلابها مُقْبِلون على الحياة والعلم، كنا نقضي فيها وقتا طويلا ما بين الدرس والسمر، ولعله من المناسب هنا أن أذكر أن "دفعتنا" كانت تزيد عن المائة وخمسين طالبا قليلا، كان يحرص معظمهم على حضور المحاضرات، اشتهرت كلية الآداب " خاصة جامعة المنصورة " بجمال فتياتها اللائي كن يحرصن - الأغلبية العظمى منهن بالطبع - على أناقة الملبس وجمال المظهر، تلك الأناقة التي كانت تستعرض فيها زميلاتنا خطوط الموضة الحديثة، والتي لم تمنع من وجود الزي الذي اصطلح عليه إسلاميا " الحجاب أو النقاب " حيث كان التيار الإسلامي آنذاك ينشط بصورة كبيرة.
أما مدينة المنصورة ذاتها فكانت ذات شوارع منظمة وأبنية ما بين العتيقة بفخامتها، والحديثة بجمالها، وكان النيل هو ملاذنا ليلا حيث هواؤه المنعش، وشجيرات الزينة تجمّل الرصيف، الذي كان تلفت نظافته النظر.
شاءت الأقدار أن أحمل حقائيبي مغادرا للوطن في محاولة لتأمين المستقبل! حيث كان السفر إلى أوربا أحد أحلام حياتي وتطلعاتي، وتضافرت الظروف لأنجح، بمعاونة صديق الطفولة والشباب جاري نبيل موسى، في أن تكون النمسا واجهتي، وعلى وجه التحديد مدينة ليوبن ثاني أكبر مدن مقاطعة " شتايرماك " الريفية، منذ اليوم الأول وحتى الآن هي محل إقامتي، والتي هي أقرب ما يكون - في حال صحت المقارنة - بمحافظة الدقهلية التي هي مسقط رأسي والتي كان هواء عاصمتها " المنصورة " بالنسبة لي " مُسَكَّراً "، ذلك " السُّكَّر " الذي تذوقته هو هو في مدينتي الجديدة ليوبن النمساوية، فغير اللغة الألمانية التي يتحدث بها أبناء ليوبن، لم أجد آنذاك كثير فرق بين مدينة ليوبن النمساوية ومدينة المنصورة، نعم الأجواء بها تباين شديد، حيث الثلوج شتاءً، والأمطار المصاحب لها برق ورعد صيفا، وهو ما لا نجده في مدينة المنصورة، الشوارع تقريبا هي هي، والمباني في الأغلب تشبه تلك التي خلفتها ورائي بالمنصورة، وأزياء الفتيات والشباب قريبة لحد بعيد من تلك التي كان يتزين بها قطاع من طالبات كلية الآداب وطلابها، ورقي أسلوب التعامل لم يكن يَشْطُطُ في البعد بين أبناء ليوبن النمساوية المتحضرين، وأبناء مدينة المنصورة، إضافة للهدوء الذي كان أيضا قاسما مشتركا بين المدينتين، ذلك كله دفعني لأن أعتبر مدينة المنصورة لا تبعد كثيرا عن النمسا وأن أطلق عليها " المنصورة النمساوية".
وفى إحدى زياراتي الأخيرة لمصر، شدني حنين للمنصورة، فعزمت على أن أقتطع من رحلتي سويعات أتنسم فيها هواء مدينتي المحببة، فهالني ما رأيت، حيث لم يعد هواؤها " مُسَكَّراً " نتيجة للتلوث الهائل، والشوارع لم تعد قادرة على استيعاب المركبات، والهدوء غادر المدينة مخاصما، بسبب تلك الزحمة الرهيبة، والأرصفة لم تعد تصلح ملجأ متعب أو طالب يريد أن يقتطع وقتا لراحته، أما الأزياء فلقد غلب عليها الشكل الأفغاني، وتساءلت أين ذهبت مدينة المنصورة النمساوية؟!.
اقرأ أيضاً
- وكيل صحة الدقهلية يتلقى الجرعة الأولى من لقاح كورونا بمستشفى الحجر الصحي بتمي الامديد
- تونس تفوز على النمسا وتحقق المركز الـ25 عالميا في كرة اليد
- النمسا تهزم كوريا الجنوبية وتتصدر المجموعة الثانية بمونديال اليد
- الزميل رضا الحصري امين عام مؤسسة مصر العربية لحقوق الإنسان بالدقهلية يهنئ الشرطة في عيدها
- تفاصيل ضبط غواص نشر مقاطع فيديو مسيئة لأمن الشرقية
- النمسا تفوز على المغرب في كأس الرئيس بمونديال اليد
- القبض على الأب المتهم بتجريد ملابس رضيعة بالدقهلية
- مع استمرار الإغلاق.. البعثة الدبلوماسية المصرية بالنمسا تتابع أخبار الجالية
- فرنسا تفوز على النمسا في مونديال اليد
- فرنسا تصعق النمسا 25/35 بمونديال اليد
- سويسرا تفوز النمسا بصعوبة وتتصدر المجموعة الخامسة لمونديال اليد
- الدقهلية : اطلاق أسماء عدد من شهداء الجيش والشرطة على المدارس تخليدا لذكراهم
هذا المشهد الذي رأيته كان السبب الرئيس فيه هو الزحمة والزيادة الهائلة في عدد السكان، وعدم قدرة تحمل المرافق لهذه الكم المضاف سنويا إلى المدينة، هذه الذي نرى أن المدن الجديدة التي يتم إنشاؤها على أحدث النظم والوسائل في العالم هي المنقذ الوحيد، لا ليس الوحيد، بل أحد أهم طريقين للإنقاذ، أما الثاني فهو ضرورة تحديد النسل، وليس تنظيمه تجميلا للتعبير، فلا نرى أي بريق لأمل في تقدم ولا نمو إذا استمرت هذه الزيادة السكانية في مصر بهذا الشكل، فمستحيل أن يستوعب أي نمو هذا الكم الهائل في الزيادة السكانية، وإذا عدنا للنمسا التي ضربت منها مثل المقارنة فإنها باستقبالها لعدد هائل من المهاجرين والذين أغلبهم من بلدان عربية وإسلامية وهم مشهورون بكثرة الإنجاب، فإن الزيادة السكانية لم تتجاوز المليون ونصف في ما يقترب من ثلاثين عام، وهذه الزيادة أغلبها من الأجانب المهاجرين، أما أبناء الدولة النمساوية الغنية للغاية فهم لا يفضلون الإنجاب كثثرا، ويتعجبون من كثرة الإنجاب، وهنا أتذكر تعليق أحد النمساويين لصديق مصري عنده خمسة أبناء حيث قال له: "أكيد أنت غني جدا"، في إشارة لأن تربية الأبناء تحتاج مالا كثيرا. وهذا التعليق فيه من جانب آخر نوعا من السخرية، كما يمكن أن يفهم منه أيضا نوعا من الرفض.