لماذا لانستريح إلا مع المستريح؟
طالعتنا صحفنا ووسائلنا الإعلامية بالقصة الحزينة المتكررة, التي تتكرر على مسامعنا كل ردهة من الزمن, فما ان تلبث تفاصيل قصة منها تنتهي إلا وتبدأ وقائع أخرى غيرها, في تكرار مقيت بشكل مأساوي, كما لو كان التاريخ يعيد نفسه على مجتمعٍ لا يبرح –بعضه- مكانه, من حيث الخبرة والوعي والتعامل مع وسائل النصب والاحتيال.
وليست قصة مستريح المنيا الأخيرة عنا ببعيد, وهو الذي تحصل على مليارات من الجنيهات, وما أن تتكشف تفاصيل جديدة لهذه القضية, إلا ونذهل من دقة تكرار نفس تفاصيلها مع سابقتها, كما لو كانت متطابقة معها ومع قصصٍ تكررت على مر العقود بمجتمعنا المصري.
والذي يلفت الإنتباه, هو كم المبالغ المليونية التي حصل عليها "المستريح" بمحض إرادة الضحايا دونما قهرٍ أو إكراه, رغم كل ما نعلمه عما حدث من ذي قبل منذ ظهور شركات توظيف الأموال وإلى يومنا هذا, والمآسي التي خضناها مع تلك الشركات ومع من هم ليسوا بشركاتٍ أيضًا.
وكان المأمول أن يرتقي وعي المواطن إلى حقيقة واقعية, وهي الابتعاد عن فكرة توظيف الأموال للأشخاص, والتي يستغلها ضعاف النفوس في سلب أموال الناس وأكلها بالباطل, وهو الذي نهانا عنه الشرع الحنيف والقوانين المعمول بها في مصر.
ولو تتبعنا السبب الرئيس الذي يسحب الناس على وجوههم إلى هذا المستنقع فسنجده بلا شك الاستغلال, استغلال النصاب للناس, مستغلًا فيهم بحثهم عن الكسب السريع والطمع في جمع الأموال دونما جهد, وبالتالي يجد النصاب فريسته بشكل سائغٍ وميسور.
ولا أنكر أن الفتاوى الدينية لبعض الفقهاء ممن يثق فيهم الناس بتحريم فوائد البنوك ووصفها بأنها ربوية كان أحد الأسباب القوية لحدوث تلك المآسي, رغم وقوف علماء الأزهر الشريف ضد ذلك,
إلا أنني لا أغفل أيضا عدم قدرة مؤسسات الدولة على كسب ثقة المستثمرين البسطاء ممن لديهم المدخرات المالية التي تشكل ركيزة استثمار لمساعدتهم على العيش, ولم تصل تلك المؤسسات المالية إلى إقناع الناس بجدارتها في اعتبارها أوعية إدخارية مأمونة ومنافسة.
ولا أملك إلا أن أدعو كل الأجهزة الحكومية والأهلية في مصر إلى التكاتف بشكل حقيقي لوضع خطط تثقيفية وتوعوية لرفع الوعي العام لدى الناس ضد كل تلك المسارات التي تخرج عن مسار القانون,
وأن تعرفهم بأن تلك الطرق التي تعبر عن الكسب السريع والثراء المجاني هي خيالات غير موجودة, وعلى تلك الأجهزة العمل على إفهام الفرد والمجتمع بأن الطريق للثراء مشروع, لكنه يكون عبر وسائل الجد والإجتهاد والبناء والجهد, عبر سواعد الناس وأعمالهم.


















