×
10 شوال 1445
19 أبريل 2024
المصريين بالخارج
رئيس مجلس الإدارة: فوزي بدوي
مقالات

مذكرات مهاجر مجهول الجزء الثاني (3) الورشة - 2

المصريين بالخارج

مر الشهر الاول و توقع حمدي ان يأخذ اول مرتب له. لكن عند يوم القبض، و هو دائما يوم 27 من اي شهر في ايطاليا، لم يدفع له جيوفاني شيئاً. سأله عن السالاريو (المرتب)، اجاب جيوفاني "لا تقلق، سوف اضعه لك في دفتر بالبوستة و كده تحوشه كله"، و "اديك نايم واكل شارب هنا ببلاش".

صدقه حمدي، و قال في نفسه "احسن ما اصرفه". و تتابعت الاسابيع و حمدي و جيوفاني يعملان ساعات تطول يوما بعد يوم، حتى بلغت 12 ساعة في اليوم، و كانا يعملان ايضا في ايام الآحاد نصف يوم. كان الطلب على انتاجهما من الاحذية يزيد باضطراد حتى اتي اليوم الذي قال له فيه جيوفاني انه يريد ان يوسع هذا المصنع.

و في صباح احد الأيام التالية اخذ جيوفاني بيد حمدي و فتح له الباب الرابع الذي كان يوجد في البهو. لم يكن حمدي يعرف ماذا وراء هذا الباب، و الذي كان اكبر الابواب. و دهش حمدي عندما رأى ما وراء هذا الباب الضخم من صالة كبيرة جداً، و كأنها عنبر مصنع متوسط الحجم. كانت هذه الصالة كلها تحت الارض، و سقفها منخفض مثل سقف البهو ، و لاحظ انها تحت البيت و لكن اوسع منه مساحة ، و لها عدة شبابيك كلها تحت السقف مباشرة كما هو الحال في غرفته و في الورشة.

اشار لن جيوفاني بالدخول و قال له "هنا سوف نعمل المصنع".

و تلت ذاك اليوم اسابيع عديدة من العمل الشاق لحمدي و معه عدد من العمال الآخرين ، كلهم ايطاليون و يعيشون في المناطق القريبة منهم. تم نقل العديد من الآلات و المعدات و الطاولات ، و ركبت لمبات و مراوح و شفاطات و غيره.

تفانى حمدي في هذا العمل مع الآخرين حتى ان ظهره كان يؤلمه من كثرة و ثقل الاحمال التي كنا ينقلها من لوريات ضخمة الى داخل المصنع الجديد تحت الارض. و لكنه كان يشعر بالسعادة لأنه يساهم في فتح مصنع كبير و انه يكتسب خبرة اكبر و اكبر كل يوم.

و في يوم سبت أخذه جيوفاني في عربته و ذهبا لاحد محلات الملابس ثم الى سوبرماركت و قاما بشراء بعض الملابس و اشياء اخرى مما يلزم حمدي من فرشة اسنان الى شامبو للشعر و غير ذلك. شعر حمدي بالرضا انه اشترى اشياء تجعل حياته افضل و غرفته أكثر احتمالاً.

وظف جيوفاني ما وصل عددهم الى ما يقرب من عشرين نفر، كانوا يأتون في الثامنة صباحا ً و ينتهون من العمل في الخامسة مساءاً، مع ساعة واحدة راحة عند منصف النهار للغداء. كان معظمهم يحضر معه غداءه، و لكن بعضهم كان يأخذه عربته و يذهب ليأكل في منزله ، و كان معظمهم عندهم سيارات متواضعة من احجام و ماركات مختلفة.

اما حمدي فلم يتغير نظامه، و لكن جيوفاني اشعره انه هو رئيس هؤلاء العمال و ان له وضعاً خاصا. و بالفعل كان حمدي قد تشرب الصنعة و اتقن كل مراحل صناعة هذه الاحذية الثقيلة و اصبح خبيرا في ذلك رغم قصر المدة التي قضاها في هذا المكان. و لا عجب في ذلك فلم يكن له شغل شاغل الا الجلود و الاحذية من الصباح الباكر و حتى منتصف الليل فقد كان يستمر في العمل حتى بعد ذهاب العمال لبيوتهم و احياناً كان يبقى في المصنع حتى وقت متأخر من الليل. و كان حمدي يشعر بالفخر عندما يرى الناتج النهائى للمصنع من احذية بوت فاخرة جميلة بألوانها و جلودها اللامعة و في نفس الوقت قوية و متينة، و رغم صلابتها الا انها كانت خفيفة الوزن.

مرت الشهور، و حمدي لا يستلم أي مرتب، و لكن كل ستة او سبعة اشهر كان جيوفاني يعطيه مئة الف ليرة و يصبحه الى البلدة القريبة و يتركه ساعتين لشراء ما يلزمه ثم يعود لأخذه من مكان معين و يعودان للمنزل-المصنع.

مرت الشهور و الفصول من شتاء شديد البرودة و كانت الثلوج احياناً تغطي نوافذ المصنع لتراكمها على الارض خارجه ، الى خريف ممطر ضبابي، الى ربيع تفوح فيه عبقات الزهور المختلفة الالوان ، الى صيف مشتعل بالحرارة و خانق في رطوبته مما كان يجعل من المصنع و غرفته جحيم مستعر مثل فرن ساخن.

و مرت السنين ، ٧ سنوات ، لم يخرج فيهن من مقره تحت الارض الا مرات نادرة. كان يتراسل مع اهله بخطابات قليلة، و لكنه كان يكتب كل يوم كلمات جديدة تعلمها في اللغة الإيطالية. الحقيقة انه كان يتحدث الإيطالية بلهجة اهل منطقة الفينيتو، بل و بالذات بلكنة اهل منطقة ازولو و مونتبيلّونا اقرب البلدات اليه.

و في يوم من الايام اخبره جيوفاني انه فتح مصنع آخر مشابه لمصنعه في بلدة قريبة اسمها "كورنودا"، و انه يريده ان يذهب كل صباح للمصنع الجديد لتدريب العمال الجدد، ثم يعود بعد الظهر للمصنع القديم ليشرف على ما تم في الصباح فيه. و اراه دراجة مستعملة قال له انه سيستعملها للذهاب لكورنودا القريبة. ثم اخذه في سيارته و اراه الطريق الى المصنع الجديد و دار به في جولة سريعة فيه و الذي كان صورة بالكربون للمصنع القديم، و ايضا مثله تحت ارض ما بدا و كأنه منزل ريفي.

و في الصباح المبكر التالي خرج بالدراجة و قطع بها المسافة من المصنع القديم الى الجديد في طريق متعرج صاعد هابط بين التلال. و اتضح له ان المسافة اكبر بكثير مما تخيل، و انه سار بالدراجة اكثر من نصف ساعة حتي وصل. و كان الجو بارداً جداً فقد كان في عز الشتاء، و وصل للمصنع الجديد و هو يكاد يكون متجمد الأوصال ولم يكن يشعر بيديه اللتان تصلبتا على مقبضي الدراجة من الصقيع.

كات زوجة جيوفاني قد اعطته "ساندويتش" جبنة، فهو لم يكن يأكل سالمي الخنزير و الذي كان يضعونه في الساندويتشات غالباً، و ذلك للغداء.

انتهى من عمله الصباحي في المصنع الجديد و عاد بالدراجة للمصنع القديم، و امطرت عليه في الطريق ، فاضطر ان يغير كل هدومه قبل ان يستمر في العمل في المصنع القديم.

مرت الاسابيع على هذا المنوال، و في احد الايام قال له زميل ايطالي انه يذهب للغداء في مطعم صغير في بلدة قريبة اسمها "كروتشتّا"، و ان صاحب هذا المطعم شاب مصري و ان هذا الشاب المصري يود أن يقابله. و فعلا ذهبا بسيارة هذا الزميل الى مطعم الشاب المصري.

و هناك قابل مواطن مصري مثله لاول مرة بعد ٧ سنوات لم يقابل فيها مصريين، و طفحت عيناه بالدموع و هي يصافح عبدالعزيز و راح يتأمل وجهه ‏ثم حضنه بشدة و كأنه احد اعز اقربائه، و احس بغرابة كونه يتكلم مع انسان بالعربية المصرية فقد كان تعود ان يتكلم العربية فقط مع نفسه. كان عبد العزيز قاهري من المطرية ، في سن متقارب ، و كان يتحدث الايطالية بطلاقة كبيرة.

‏كان يؤجر هذا المطعم ويقوم بالطبخ فيه طعاما إيطالياًّ محليًا و معظم زبائنه كانوا من العمال الذين يأتون للغداء من مواقع عملهم.

‏جلسا يأكلان معا على الغداء وسأله عبد العزيز، وكان اصحابه يسمونه زيزو، "قول لي، ماذا تفعل هنا‏؟" فحكى له حمدي قصته. فما كان من زيزو إلّا ان فتح فاه وهو مندهش اشد الاندهاش وقال له "كيف تقبل بمثل هذا الاتفاق إنه ولا شك يضحك عليك وقد أكل عليك فلوسك". قال حمدي ان جيوفاني اخبره انه يضع له مرتبه في دفتر بالبوسطة. رد زيزو ان هذا شئ غريب جدا ، و سأله هل رأى هذا الدفتر الذي يحتفظ به جيوفاني ، رد حمدي "لا، أبداً". حسبا جملة ما يستحقه حمدي عن هذه السنوات السبع فكانت ٢٥ مليون و مئتين الف ليرة، اي ما يساوي ١٢ الف و ٦٠٠ يورو، و كان هذا مبلغا كبيراً في تلك الايام.

اتفقا ان الحكاية فيها ملعوب كبير و نصحه زيزو بأن يسأل جيوفاني ان يعطيه الدفتر لأنه يريد ان يأخذ نقوده و يذهب في اجازة لمصر.

عاد حمدي لغرفته و هو يغلي، و لم يذهب للمصنع القديم. و ظل طوال الليل يمشي في غرفته "رايح جاي" و كأنه اسد محبوس في قفص صغير.

في الصباح وصل جيوفاني و دخل الورشة الصغيرة على عادته، فدخل وراءه حمدي و اغلق الباب و عيناه تقدحان شراراً من الغضب. سأله ان يعطيه دفتر البوسطة المزعوم ان كان اصلا له وجود. رد جيوفاني ببجاحة "لا يوجد أي دفتر، لأنه لا يوجد أي مرتب". و صرخ فيه حمدي "و الاتفاق و العقد و ال ٣٠٠ الف ليرة في الشهر ". قال جيوفاني انه علمه الصنعة و اعطاه اقامة مجانية طوال ٧ سنوات و بذلك ليس له شئ عنده. اسودت الدنيا في وجه حمدي و ادرك حجم الخدعة التي عاشها لمدة سبع سنوات طوال، و فكر أن يفتك بجيوفاني و كاد أن يمسك بخناقه و لكنه تذكر كلمات زيزو "اذا رفض اياك ان تضربه أو تؤذيه ، و انا اعرف محامي سوف يطالب بحقك عن طريق النقابات". و رغم عنف غضبه استطاع حمدي ان يكبح جماح نفسه و لم يؤذ جيوفاني بل و اخذ طريق الباب قائلا له "انا ذاهب الى منزل احد اصدقائي المصريين و سنتقابل في المحكمة عن قريب". و رد جيوفاني "طب و الشغل ، و المصنعين ، مين غيرك يقدر يديرهم، ابقى معي و سنفتح صفحة جديدة ، و اعطيك مرتب عالي". فما كان من حمدي الا ان صفق الباب صارخا بالشتيمة الإيطالية الشهيرة و التي تبدأ بحرف ال V.

في اليوم التالي ذهب مع زيزو الذي ذهب للعيش في شقته الى محامي معروف بتبنيه لقضايا العمال الاجانب و فهم منه ان "الموضوع سوف يأخذ وقتا و لكن علينا ان نذهب للنيابة و نقدم بلاغ ضد جيوفاني".

و فعلا ذهب مع المحامي الى قصر النيابة في تريفيزو و عملا البلاغ، و هناك قال له وكيل النيابة ان من حظه انه جاء مع محامي و الا مصيره كان سيكون القبض عليه و وضع الكلابشات في يديه ثم ترحيله لمصر على اول طائرة. و ذلك لأن جيوفاني كان قد قدم بلاغ ضده يدعي فيه انه ضربه و حاول خنقه و انه نجا منه بصعوبة لأن عمال المصنع سمعوا الخناقة و انقذوه من بين يديي حمدي. و ان عماله مستعدون للشهادة على ذلك.

و لكن بفضل المحامي استطاع حمدي ان يخرج من قصر النيابة و ذهب لبيت زيزو الذي قال له "سوف اجد لك عملاً اخر في غضون ايام قليلة". و فعلا وجد له زيزو عملا في نفس مجال الأحذية و وجد له ايضاً سكن في بنسيون قريب من مصنعه الجديد.

بعد شهر و قد بدأت اجراءات القضية تتضح، احس حمدي انه يحتاج الى اجازة في مصر. و اخذ اذن صاحب المصنع الجديد فوافق بعد ان عرف انه لم يذهب لبلده لمدة سبع سنوات كاملة. و من اول مرتب اشترى تذكرة رخيصة على باخرة من فينيسيا الى الاسكندرية. و كانت فرحته برؤية بلده و اهله لا تقدر. و حزن الجميع عندما حكى لهم قصته، و تمنوا له ان يتحصل على حقه في اقرب وقت ممكن.

و مرّا اسبوعي الاجازة في سرعة مذهلة. وكان قد عمل باسبور مصري جديد لان الذي كان معه كانت قد انتهت صلاحيته. و بالباسبور الجديد ذهب للقنصلية الإيطالية في القاهرة لأخذ الفيزا. و لكن المسؤولون هناك رفضوا ان يعطوه فيزا لدخول ايطاليا رغم المستندات التي يحملها و التي تثبت انه يعمل في مصنع في تريفيزو و انه في القاهرة فقط في اجازة.

حاول ان يدخل الى داخل القنصلية للتكلم مع القنصل ، فمنعه احد الموظفين الايطاليين ، و كان هذا هو الشخص الذي اعطاه حمدي علقة ساخنة و كانت هذه هي المصادمة الشهيرة التي تحدثنا عنها سابقا.

و سقط في يديي حمدي فلم يدر ماذا يمكنه ان يفعل.

و لكنه استطاع العودة لإيطاليا و استطاع أخذ حقه بالكامل و هذا ما سأحكي لكم عنه في المرة القادمة ان شاء الله.

استطلاع الرأي

أسعار العملات

العملةشراءبيع
دولار أمريكى​ 29.526429.6194
يورو​ 31.782231.8942
جنيه إسترلينى​ 35.833235.9610
فرنك سويسرى​ 31.633231.7363
100 ين يابانى​ 22.603122.6760
ريال سعودى​ 7.85977.8865
دينار كويتى​ 96.532596.9318
درهم اماراتى​ 8.03858.0645
اليوان الصينى​ 4.37344.3887

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 2,069 شراء 2,114
عيار 22 بيع 1,896 شراء 1,938
عيار 21 بيع 1,810 شراء 1,850
عيار 18 بيع 1,551 شراء 1,586
الاونصة بيع 64,333 شراء 65,754
الجنيه الذهب بيع 14,480 شراء 14,800
الكيلو بيع 2,068,571 شراء 2,114,286
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

مواقيت الصلاة

الجمعة 01:57 صـ
10 شوال 1445 هـ 19 أبريل 2024 م
مصر
الفجر 03:52
الشروق 05:24
الظهر 11:54
العصر 15:30
المغرب 18:25
العشاء 19:46