آثار العقد من حيث الأشحاص
يصبح للعقد قوة ملزمة وبالتالي يجبر المتعاقدين على تنفيذ ما ورد فيه، ذلك إذا كان صحيحاً ولم يطرأ عليه ما يجعله غير نافذ أو غير لازم، وبديهي لكي يكون التنفيذ ممكناً يجب معرفة أطراف العقد، ومضمونه، فأثر العقد لا ينصرف إلى غير المتعاقدين، وبالتالي فإن أثر العقد نسبي من حيث الأشخاص، كما أن المتعاقد لا يلزم بما لم يتضمنه العقد، فالعقد نسبي أيضاً من حيث المضمون، والقاعدة أن أثر العقد لا يتعدى المتعاقدين، أي لا يسري إلا في حقهم، لكنه وإستثناءً على هذه القاعدة قد يسري في حق غيرهم، غير أننا لا نعني بالمتعاقدين طرفي العقد فقط، وإنما خلفهما العام، والخاص، ودائنيهم.
والخلف العام هو من يخلف غيره في ذمته المالية كلها أو في جزء شائع منها، كالثلث والربع والنصف ويشمل الوارث، والموصى له بجزء شائع كالثلث، وهو يخلف سلفه طبقاً لأحكام الميراث والوصية، لذا يتأثر بالعقود التي يبرمها سلفه، فلو باع شخص شيء ثم مات قبل أن يقبض ثمنه، ينتقل حقه في المطالبة بالثمن إلى الورثة، والموصى له بجزء شائع في التركة، وهو ما قررته المادة ١٤٢ من القانون المدني بقولها، ينصرف أثر العقد للمتعاقدين، والغير.
ويختلف تأثر الخلف العام بتصرفات سلفه، بإختلاف التصوير القانوني لشخصية الخلف، فالقانون الروماني، والفرنسي، يعتبر شخصية الوارث امتداداً لشخصية المورث، فيكتسب حقوقه، ويلتزم بإلتزاماته، غير أن حكم الشريعة الإسلامية غير ذلك فلا يلزم الوارث بديون مورثه، تأكيداً لحديث لا تركة إلا بعد سداد الديون، فيجب سداد الديون أولاً، ثم تقسيم مابقي على الورثة، لذا فالقاعدة بالنسبة للخلف العام أن تنتقل إليه حقوق سلفه، دون إلتزام بديونه وإلتزاماته، بشرط ألا يتلقى هذه الحقوق إلا بعد سداد ديون سلفه.
غير أنه وقع خلاف بين فقهاء المسلمين حول أنواع الحقوق التي تنتقل للخلف العام، فقصرها بعضهم على الحقوق المالية فقط، بينما رأى آخرون أن كل الحقوق تنتقل للخلف العام، سواء كانت مالية، أو غير مالية، ومرجع هذا الخلاف يعود إلى إختلافهم في رواية حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعضهم يقول أنه قال من ترك مال فلورثته، ورواه آخرون بقوله من ترك مالاً أو حقاً فلورثته، وبالتالي فأنصار الرواية الأولى وهم الحنفية يرون أن الحقوق لا تنتقل إلى الورثة إلا إذا كانت مالاً، أو في حكم الحق المالي، وبالتالي فالمنافع والحقوق الشخصية لا تنتقل للورثة، أما أنصار الرواية الثانية فيرون أن الحقوق جميعها تنتقل للورثة مالية وغير مالية وهو ما تأخذ به القوانين الحديثة، غير أن هناك حالات لا ينصرف فيها أثر العقد إلى الخلف العام ومع ذلك يظل خلفاً عاماً، أو لا ينصرف فيها أثر العقد للخلف العام وذلك لأن الشارع يعتبره من غير المتعاقدين.
ويحدث ذلك إما بإتفاق المتعاقدين، كأن يتفقا على عدم سريان أثر العقد في حق الورثة، كإتفاق المؤجر والمستأجر على إنتهاء عقد الإيجار بموت المستأجر، وهنا لا يستطيع ورثة المستأجر الإنتفاع بالعين المؤجرة بعد موت مورثهم، وإما لأن طبيعة الحق تقضي بذلك، كأن تأبى طبيعة الحق انتقاله للورثة، كحق الإنتفاع، فطبيعته تقضي بإنقضائه بوفاة صاحبه، أو لأن شخصية المتعاقد كانت محل إعتبار عند نشوء الحق، كما لو وكل شخص محامياً وكالة عامة لمدة معينة ومات المحامي قبل إنتهاء المدة، وكان له إبن محامي، فلا يستطيع الإبن أن يطلب الحلول محل أبيه وإكمال المدة، لأن شخصية الأب كانت محل اعتبار عند التعاقد.
أما فيما يتعلق بعدم سريان أثر العقد في حق الخلف العام لإعتباره من الغير، فتوجد بعض الحالات التي يعتبر الشارع فيها الورثة من غير المتعاقدين وليسو خلفاً عاماً للمورث، فلا تسري في حقهم تصرفات مورثهم، وذلك حماية للورثة من تصرفات مورثهم التي يقصد بها الإضرار بهم كالوصية والتبرع في مرض موته، فسمح له المشرع بالإيصاء بثلث تركته وما زاد عن ذلك فلا ينفذ في حق الورثه إلا إذا أجازوها، فلو تبرع إنسان في مرض موته فإن ذلك يعتبر في حكم الوصية ولا ينفذ في حق الورثه ما زاد على ثلث التركة، ويعتبر في حكم التبرع الإبراء والكفالة في مرض الموت.
هذا فيما يتعلق بالخلف العام، بينما الخلف الخاص فهو من يتلقى من غيره ملكية شئ معين بالذات أو حقاً عينياً على هذا الشئ، فالمشتري خلف خاص للبائع، والموهوب له خلف خاص للواهب، َالمرتهن خلف خاص للراهن، وهكذا فالفارق بين الخلف الخاص والخلف العام يتضح في أن الأول يخلف سلفه في شئ معين بالذات، أما الخلف العام فيخلف سلفه في ذمته المالية كلها أو في جزء شائع منها، لذا لا يتأثر الخلف الخاص بجميع تصرفات سلفه، وإنما فقط بتصرفات سلفه المتعلقة بالشئ المنتقل إليه منه، مع مراعاة أن يكون تصرف سلفه صادراً قبل إنتقال الشئ إليه، كما لو رهن شخص داره لدى المصرف العقاري ثم باعها، فالدار تنتقل إلى المشتري وهي مرهونة، وبالتالي يجب لسريان أثر التصرف في حق الخلف الخاص توافر شرطين، أحدهما أن يكون التصرف متعلقاً بالشئ الذي ينتقل إلى الخلف الخاص، وثانيهما أن يكون التصرف قد صدر من السلف قبل انتقال الشئ إلى الخلف الخاص.


















