أي إنسان نريد؟!
المصريين بالخارجبهجت العبيدي
ما أكثر الشعارات التي نطلقها، نحن المصريين والمسلمين عموما، وكلها شعارات دينية تؤكد أن ما نحن فيه ليس إلا لسبب واحد وهو البعد عن الله، ومن هنا يأتي مثل هذا الشعار البراق "العودة إلى الله هي الحل أو ذلك الشعار الذي كان تصدره جماعة الإخوان الإسلام هو الحل، أو شعار لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها" وكلها شعارات تخطف اللب، ويرددها الكثير منا، إن لم يكن كلنا، وذلك غالبا في سياق شعور عدم الرضا عن الواقع المعاش، ويتم اختصار الأزمات المتفاقمة في مجتمعاتنا في بعدنا عن الله سبحانه وتعالى، وتأكيد بأنه في العودة له تنتهي كل تلك المشكلات، ويتبدل واقعنا من حال إلى حال.
وطبعا يمكننا الاتفاق مع مثل هذه الشعارات دون كثير جدال ولا مختلف مناقشة، إن كان ذلك يعني أن العودة إلى الله، تعني عمل كل ما هو خير، وفعل كل ما هو صحيح، والتمسك بكل الفضائل التي أمر بها الله سبحانه وتعالى عباده. وما أبعد كل ذلك عن التحقق في أرض الواقع، وما أصعب أن يتمسك به الإنسان الذي خلق ضعيفا، مقترفا للآثام والذنوب.
هل يمكن لعاقل أن يعترض على مثل تلك الشعارات؟!. وهل يمكن لإنسان يمتلك ذرة من عقل أن يرفض هذه الشعارات البراقة؟!.
لكن كيف يتحقق ذلك؟ هذا هو السؤال الذي يحتاج إلى إجابة، ولا أظن أن تلك الإجابة يمكن أن يتفق عليها اتفاقا لا جدال فيه، ولا مجادلة في كيفيته.
أظن، وليس كل الظن إثم، أن تحقيق هذه الشعارات على أرض الواقع يمكن أن يراوغ فيه المراوغون وأن يجعل كل شخص من وجهة نظره لمفهوم العودة إلى الله أو صلاح الأمة بما صلح به أولها، هي المقياس الذي يجب أن ينزل عليه الجميع، ذلك الذي هو عينه المستحيل، فلو سألنا أحد أنصار الإسلام السياسي لأقسم، وهو كله يقين، أن العودة إلى الله لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال إقامة شرع الله في حكم إسلامي "كما يفهمه هو"، يقوم عليه متفقهون في الدين، أو على الأقل يتم العودة لهم في كل صغيرة وكبيرة، وهؤلاء سيكونون أهل الحل والعقد، وإن أراد صاحب هذا الطرح أن يثبت أنه من أبناء هذا العصر، لم يمنع من إقامة انتخابات، كما تلك التي تحدث في إيران! أو غيرها من انتخابات تجري في مجتمعاتنا العربية. ما من شك أنها ستصبح شكلية، في ظل الواقع الذي يعيشه إنسان اليوم في مجتمعنا، وهو ما نراه يتحقق في كل مناسبة للانتخابات.
ولو سألنا غيره ممن يروق لهم مثل هذه الشعارات، فربما يبدأ أول ما يبدأ، بإعادة المرأة إلى دورها الأصلي الذي خلقها الله سبحانه وتعالى له، وهو إنجاب الأولاد ورعايتهم والسهر على تربيتهم، ففي خروج المرأة للعمل ضرر كبير على المجتمع، فهي من ناحية تزاحم الرجل في فرص العمل المحدودة، ومن ناحية ثانية يكون هذا العمل والوقت الذي تقضيه فيه سببا من أسباب عدم رعايتها الكاملة لبيتها وزوجها وأولادها، وهذا العمل المستحدث للمرأة لم يكن موجودا في العصر الأول لهذه الأمة هذا العصر الذي يسعى أصحاب مثل الشعارات لإعادته في عالم اليوم!.
أما لو تعرفنا على رأي علماني متدين، حيث أن هناك منهم متدينين، فإنه سيرى غير كل هذا، حيث ستكون العودة إلى الله في وجهة نظره، هي تلك العلاقة العمودية بين الإنسان وخالقه دون تدخل من أي شخص، ولا وصاية من أية مؤسسة دينية، وهذا لديه هو العودة الحقيقية لله الذي لم يجعل هناك وساطة بينه وبين من يعبده.
إذاً يمكننا الآن أن نعترف ببساطة شديدة، أن الشعار شيء، ونظرة الأشخاص له شيء آخر، هذا الذي يعني أن تحقيقه ليس بتلك البساطة التي يتخيلها البعض، هذا من مجرد التنظير، فما بالنا لو نزلنا إلى أرض الواقع للعمل على تحقيقه، ذلك الذي لا يمكن أن يتم إلا من خلال عمل دؤوب يتم تربية أجيال من خلاله تحتاج لعقود من السنين، هذا الذي لا يعني عدم البدء في تحقيق أهداف ينشدها المجتمع تلك أيضا التي تحتاج عقودا من السنوات لتحقيقها، فقط ما نود أن نقوله هو أن تلك الشعارات التي تبدو وكأنها مسلمات لن نحصل فيها على تصور واحد ولا رأي واحد ولا رؤية واحدة، ذلك الذي يعني ضرورة فتح آفاق العقل لتقبل الاختلافات في الرأي والرؤى التي هي طبيعة بشرية، فضلا عن ضرورة رسم خريطة للحصول على الإنسان المصري المستقبلي، بعدما نحدد: أي إنسان نريد؟!.