×
18 شوال 1445
26 أبريل 2024
المصريين بالخارج
رئيس مجلس الإدارة: فوزي بدوي
مقالات

مذكرات مهاجر مجهول.. الجزء الثاني (13)

المصريين بالخارج

و انتهت السنة الدراسية اخيراً. كان امي سعيدة بالابتعاد عن سنية و كانت تتمنى عند عودتها ان تكون هناك الفرصة لتغيير غرفتها و تقاسم الغرفة مع احدى المدرسات الاخريات، بثينة أو زينب مثلاً. و لم يعد في فكر الجميع الا رحلة العودة الى مصر و قرب لقاء الاحباء و الاهل و الاصدقاء.
كانت اسهل طريقة العودة هي أخذ الطريق الساحلي من خصب الى دبيّ، ثم أخذ الطائرة الى القاهرة، خاصة انه كانت مع الكل أحمال لا تستطيع الطائرة الصغيرة، التي تأتي مرة واحدة كل اسبوع، حملها.
تم حجز التذاكر على طائرات شركة الشرق الاوسط اللبنانية لأنها كانت أرخص الشركات. و صلوا بيروت و كانت لبنان في بدايات الحرب الاهلية الفظيعة و التي دامت حوالي ١٥ سنة و تركت وراءها ١٥٠ الف قتيل و بلد مدمر عن آخره بعد أن كان يقال عليه سويسرا الشرق.
هبطت الطائرة في مطار بيروت قادمة من جهة البحر حتى تتفادى المدينة التي كانت تدور بها معارك دامية ، و قد شاهدوا من شبابيك الطائرة عدد من المباني التي تحترق و سحب الدخان الاسود التي تغطي بعض المناطق. و في المطار كانت تسمع أصوات دانات المدافع من بعيد.
المهم اقلعوا الى القاهرة بعد أن غيروا الطائرة و هم يحمدون الان على النجاة و فهموا ساعتها لماذا كانت تذكرة خطوط الشرق الاوسط هي ارخص التذاكر.
وصلت امي قبل منتصف يونيو ١٩٧٥، و كان قد تبقى على امتحان الثانوية اسبوع واحد. كنا قد ذهبنا للمطار كلنا مع اخت امي و بنتها سناء. و صُعقت من مظهر امي التي كانت تبدو مريضة. و قد فقدت الكثير من وزنها و اغمق لونها القمحي الجميل و بدا عليها الارهاق الشديد. و بعد الاحضان و القبلات سألتني: "هل انت مستعد يا أشرف". قلت: "نعم، مستعد جدًا". و لكني شعرت فجاة بغصة في قلبي و عندما ذهبت ذاك المساء للنوم، بعد أن قضينا الليلة في الحديث و المسامرة مع امي، لم تغلق لي عين، و جاءني احساس بأن شيئًا غاية في الشؤم سوف يحدث. ايقنت أن امي كانت مريضة بمرض ما و انها مرهقة جدًا في داخلها و كأنها مرت بتجربة شديدة الوطأة على نفسيتها في هذا البلد البعيد. لم اسعد بالهدايا التي احضرتها معها و خاصةً المسجل الاستريو الذي كنت قد طلبته منها. احسست بحزن و قلق شديدين، تمكنا مني تماماً، و اضف الى ذلك رهبتي من امتحان الثانوية الذي كان سيبدأ بعد اسبوع.
و في الايام التالية بينما توافد الاهل و الاحباب و الجيران و الأصدقاء على شقتنا لتحية امي العائدة من الغربة، كنت انا معزولا في غرفة الصالون وحدي مع كتبي و كان ممنوع على الجميع أن يزعجني أحد. كانوا ينادوني فقط في اوقات الغداء و العشاء. و الحقيقة انني لم اكن اذاكر شيئاً يذكر. كانت قد تملكتني حالة من الرعب و الحزن و الكآبة، و بدأ تفكيري ينحصر في عبثية هذه الحياة و الآلام و التضحيات التي يجب علينا تحملها من أجل أن نعيش فقط، و ينتهي كل هذا بالموت. احسست ساعتها بأن الحياة عبأ ثقيل و تخوفت من طول مدة الحياة، و سألت نفسي هل استطيع أن اتحمل الحياة حتى اصل لعمر طويل، و غير ذلك من الافكار السوداء و الهواجس المؤلمة.
طبعًا كانت هذه هي حالة مرضية بحتة من القلق الشديد المصحوب باكتئاب تفاعلي حاد، و فقدت شهيتي للأكل تماماً و لم اكن انام، أو على الاقل هذا ما شعرت به، لمدة الاربعة الاسابيع التالية. و صدقوني لم اذاكر كلمة واحدة منذ وصلت امي، و اتعجب حتى الآن كيف اديت هذه الامتحانات بصورة جيدة جدا رغم حالتي التي حقيقة لا أستطيع حتى وصفها. و اتذكر صديق لوالدي جاء لزيارتنا ليلة احد الامتحانات و رآني قد جلست معه في انتظار أن يعود ابي الذي كان خارج البيت لقضاء بعض الحاجيات، و كان قد لمح فيّ المبالاة و الاستسلام ، و سألني: "هل انا اعطلك عن مذاكرتك؟" قلت له:"لا يهم، لقد انتهى كل شئ". و ظن الرجل انني ساقط لا محالة و استأذن في الخروج بسرعة، و لم يقابل ابي. و بعد ظهور نتيجة الثانوية و حصولي على ٩٧٪؜، عاد الرجل لبيتنا و قال:" لقد ارعبتني يا أشرف ، انا كنت متأكد من سقوطك مئة في المئة، و يذهلني حصولك على هذا المجموع العالي، كيف عملت هذا؟". الحقيقة انني ذاكرت طوال السنة بطريقة منظمة و متعمقة، و لم اعتمد على الحفظ فقط، بل كنت اصر على فهم اي موضوع جيدا قبل حفظه. ثم اديت الكثير من امتحانات محاكاة مماثلة لامتحانات الثانوية و امتحانات الثانوية التي تمت في السنوات القليلة قبل هذه السنة، و كنت اصر على انهاء الامتحان التجريبي في وقت اقل من نصف ساعة من الوقت المسموح به، معطيا وقت لكل سؤال مسبقاً. و الواقع أن الجهد الشاق الذي بذلته في هذه الامتحانات كان هو في اجبار عقلي على التركيز في اجابة الأسئلة ، في الوقت المحدد للامتحان. اما بعد انتهاء الامتحان فكان ذهني يعود مسرعًا للافكار السوداء و الوساوس.
و هكذا انتهت امتحانات الثانوية ، و لكن حالتي لم تتحسن، فقد اصبح وقتي كله متاح للافكار الوجودية السوداء و الهواجس المرعبة.
أحست امي بهذا، و قلقت أن تكون حالتي هذه مقدمة لانهيار عصبي حاد كما حدث للكثير من طلاب الثانوية اثناء و بعد الامتحانات. و بعضهم اصيب فعلاً بأمراض عصبية و عقلية دام علاجها سنين بعد ذلك. و هذه هي لعنة سببها نظام التعليم الخاطئ الذي يركز مستقبل الشباب الذي يطمح في التعليم العالي على نتيجة مجموعة من الامتحانات تتم كلها وراء بعضها في ايام قليلة مما يجعل الطلاب في حالة رعب مرضي و ضغط نفسي و عصبي و جسدي فظيع.
المهم صاحبتي امي الى عمها و كان وكيل من وكلاء وزارة التربية و التعليم و حاصل على تخصص في علم نفس الطلاب و فحص و عالج الكثير من هذه الحالات، و جلس الرجل معي و سألني الكثير من الأسئلة و و طلب مني أن اتحدث عن آمالي و طموحاتي و عن مخاوفي و شكوكي في الحياة. و هكذا و بعد أن قضى معي حوالي الساعة. قال لها أمامي:" ليس هناك اي داعي للقلق، فإبنك زي الفل يا حسنية، و لكن هذا سيأخذ بعضًا من الوقت". و فعلا بدأت حالتي تتحسن و ساعدني في ذلك ايماني بالله سبحانه و تعالى، و اعتقادي بقدسية الحياة و بوجود الحياة الآخرة و حبي لأهلي و أصدقائي و بلدي و اعجابي بالإبداع الانساني في العلم و الآداب و الفنون و الموسيقى. و قبل أن تعود امي لعمان كنت قد عدت لحالتي الطبيعة تقريباً، و لكن المي لحال امي لم يهدأ ابدا، خاصة و انها بدأت تشعر بآلام في المعدة و سوء في الهضم و ارهاق شديد و بدأت قدماها في الورم.
بسبب هذا ذهبت لطبيب حيِّنا الدكتور حسن عطيه، و هو من اعظم الاطباء الذين عرفتهم في حياتي رحمه الله. قال لها: "انتِ تعاني من اضطراب هام في الكبد و عليك الذهاب لأخصائي في أمراض الكبد".
و فعلاً ذهبت امي الى قريب لنا أستاذ امراض الكبد في احدى كليات الطب، و كان معها اخي معتز و بنت خالتي سناء. قال لها طبيب الكبد: "يجب عليك أخذ بعض الأدوية و سنتابع كبدك بالتحاليل، و انا انصحك بعدم السفر الى عُمان". و خرجت امي و أخي و بنت خالتي و هم صامتون ، و مشى الجمع في شوارع وسط البلد بدون كلام، و فجأة قالت لهم امي:"تعالوا ناكل كشري من عند ج....، دا وحشني قوي"، و دخلوا المحل الشهير في هدوء....

استطلاع الرأي

أسعار العملات

العملةشراءبيع
دولار أمريكى​ 29.526429.6194
يورو​ 31.782231.8942
جنيه إسترلينى​ 35.833235.9610
فرنك سويسرى​ 31.633231.7363
100 ين يابانى​ 22.603122.6760
ريال سعودى​ 7.85977.8865
دينار كويتى​ 96.532596.9318
درهم اماراتى​ 8.03858.0645
اليوان الصينى​ 4.37344.3887

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 2,069 شراء 2,114
عيار 22 بيع 1,896 شراء 1,938
عيار 21 بيع 1,810 شراء 1,850
عيار 18 بيع 1,551 شراء 1,586
الاونصة بيع 64,333 شراء 65,754
الجنيه الذهب بيع 14,480 شراء 14,800
الكيلو بيع 2,068,571 شراء 2,114,286
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

مواقيت الصلاة

الجمعة 10:31 مـ
18 شوال 1445 هـ 26 أبريل 2024 م
مصر
الفجر 03:43
الشروق 05:17
الظهر 11:53
العصر 15:29
المغرب 18:29
العشاء 19:52