حسن بخيت يكتب : "الإعابة".... تأنفها الفطرة وتأباها النفس السوية
بقلم : حسن بخيت
الإعابة سلوك مشين ، وظاهرة إجتماعية سيئة يمارسها الكثير من البشر ، حتى أصبحت الإعابة عندهم هواية ، وتحولت لمرض نفسي يصعب العلاج منه ، فهم يسعدون عندما يخوضون في عيوب الأخرين ، ويشنعون بهم ، ويتحدثون عن زلاتهم وهفواتهم التي لا يسلم منها أحد غير الأنبياء المعصومين .
دعونا أولآ : نفهم معنى الإعابة في اللغة - إعابة مصدر أعاب - وأعاب الشخص ، أي عابه وذمه وجعله ذا عيب ومنقصة ، وذلك بإظهار مساوئه ، أو تصيد الخطأ له ، ونسب العيب إليه ، وذكر النقص فيه .
يقول الله تعالى في كتابه العزيز "أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا "
فأردت أن أعيبها .. أى أجعلها ذات عيب لينفر منها الملك الظالم ويتركها لأنها أصبحت معيبة .
ترددت كثيرآ قبل كتابتي لهذه السطور ، والتزمت الصمت فيما أراه أمامي من الشخصيات المريضة الذين يتصفون بمرض الإعابة ، إلى أن ساقني القدر منذ شهور إلى التعامل مع أحد هذه الشخصيات المصابة بهذا المرض ، فرأيت منه ما لا يتحمله عاقل ولا يقبله إلا تابع سلبي - ووجدت نفسي أمام شخصية عجيبة مصابة بداء " الأنا " والعجب والتكبر ، وحب النفس وكراهية الآخر ، فلا يذكر أحد أمامه إلا ويعيبه ويقلل من شأنه ، ويقول فيه ما ليس به من العيوب ، ووصل الأمر إلى إعابة بعض الأشخاص والأصدقاء من الذين أعرفهم وعلى علاقة طيبة بهم منذ سنوات عديدة ، وأشهد لهم بالأدب والأخلاق والإحترام ، ولم أستطع نصحه لأنه يبلغ من العمر أرزله ، وكل ما فعلته أننى أنهيت المعاملة معه ، وكان البعد سيد الموقف ..
إنشغال الإنسان بعيوب الأخرين من أجل إحتقارهم والتقليل من شأنهم ، وتقبيح أعمالهم ،وتجاهله لعيوب نفسه والغفلة عنها ، ومدح نفسه دائمآ وتفضيلها على الأخرين يجعله سيء الخلق وينفر منه العباد والدواب - ويصدق عليه قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ( إذا قال الرجل هلك الناس ، فهو أهلكهم ) .. أى هو أسوء حالآ منهم ، ومن حسن إسلام المرء تركله ما لا يعنيه " ، فمن الرجولة والنخوة أن يترك الإنسان البحث في أشياء لا تخصه ولا تعنيه في شيء ، مراعاة لحقوق صاحبه ، فلم يعب رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أحد قط ، لا من أصحابه ، ولا من أعدائه ، لأن الإعابة خلق ذميم ترفضه الفطرة السليمة ،وتنفر منه النفس السوية .
فما أحوجنا جميعآ إلى محاربة هذا السلوك القبيح والأخذ على أيدي الذين يعيبون الأخرين ويحتقرونهم ، حتى تسلم مجتمعاتنا من أحد أهم أسباب الفرقة والبغضاء والكراهية وحتى يحيا الجميع في أمن وسلام ..
وفي النهاية أقول لنفسي ولمن أصيب بفيروس الإعابة _ لا تكن سببآ فى تحطيم الآخرين ، فعندما نرى منك مواهب تخصصاتك وشهاداتك -- ثق تمامآ : سيصمت الجميع ونرفع لك القبعة احترامآ وتقديرآ وحبآ خالصآ من القلب ..
وكفانا عصبية ورجعية وكراهية ، فلابد أن نستعلي عن الهوى، ونتخلص من أمراض القلوب كالكبر والغرور والتشبث بالرأي وعدم احترام الآخر والأنانية وحب النفس ، فكلنا نعيش على كوكب واحد وتحت سماء واحدة .


















