دكتور خاطر الشافعي يكتب عن: الإدمان الإلكتروني
بقلم : د خاطر الشافعي
التأثير على الذاكرة
أثبتت الدراسات والتجارب أنّ للإنترنت تأثير كبير على الذاكرة، فقد تبين أنّ الشخص قد يتذكر الأشياء التي يعتقد أنه لن يجدها إذا استخدم الإنترنت، وقد ينسى الأشياء التي من الممكن أن يجدها على الإنترنت، كما أنّه من الممكن تذكّر مكان تخزين المعلومات أكثر من تذكُّر المعلومات نفسها، وقد تبين أيضاً أنه عندما يواجه الأشخاص بعض الأسئلة الصعبة فهم يلجأون إلى الإنترنت للحصول على الإجابات، حيث أصبح الناس يستخدمون التكنولوجيا كذاكرة تخزين خارجية.
التأثير على الأطفال
للإنترنت تأثير كبير على الأطفال؛ حيث أصبح من الصعب إبعادهم عن الكمبيوتر لممارسة أي نشاط آخر، ممّا أدى إلى قلق الآباء من فساد عقول أطفالهم، حيث أدى كثرة استخدام الإنترنت والمواقع الاجتماعية إلى تقليل فترات الانتباه والتركيز لدى الأطفال على مدى السنوات العشر الماضية من 12 دقيقة إلى ما يعادل خمس دقائق، وهذا أدى إلى عدم قدرتهم على القراءة المتعمّقة والإدراك، كما أنّه أثّر على قضايا الرؤية طويلة المدى، وبيّنت الدراسات أن 95% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12-17 عاماً يستخدمون الإنترنت ويقضون أكثر وقتهم على الهواتف والإنترنت وغيرها أكثر من جلوسهم مع أبائهم ومعلميهم.
اضطراب الألعاب
لقد بين الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM) أن اضطراب ألعاب الإنترنت(Internet Gaming Disorder) أكثر انتشاراً بين المراهقين الذكور التي تتراوح أعمارهم بين 12-20 عاماً، حيث يوجد مجموعة من المواصفات والمعايير التي تشخص اضطراب ألعاب الإنترنت؛ ومنها ما يأتي:
الاستخدام المتكرر للألعاب على الإنترنت.
الانشغال الدائم لدرجة الهوس بألعاب الإنترنت.
الفشل في محاولة الشخص في ضبط وإيقاف هذه الألعاب.
الاستمرار في استخدام هذه الألعاب بالرغم من معرفة مدى تأثيرها على الحياة. التعرّض لخسارة فرصة أو علاقة معينة بسبب التعلّق بألعاب الإنترنت.
فقدان الاهتمام بأية أنشطة أخرى في الحياة.
آثار سلبية أخرى للإنترنت
يوجد مجموعة من السلبيات التي تؤثر على مستخدمي الإنترنت، ومن أهمها ما يأتي:
الاستخدام المفرط للإنترنت يؤدي إلى قلة الحركة ولياقة الجسم.
إن حجم المعلومات الكبير والهائل التي يحصل عليها الأفراد عند إجراء عملية بحث بسيطة، قد يؤدي إلى إغراقهم في بحر من البيانات والمعلومات.
يستطيع المستخدمون إخفاء هويتهم وأسماءهم الحقيقية أثناء التواصل مع الآخرين، مما يؤدي إلى منحهم فرصة لارتكاب سلوك سيئ قد لا يرتكبونه أمام الناس في الأماكن العامة.
للإدمان الإلكتروني العديد من الآثار السلبية منها ما تعتبر آثار قصيرة المدى، مثل عدم إتمام المهام وعدم تحمّل المسؤوليات وزيادة سريعة في الوزن، وأخرى طويلة المدى تظهر على شكل أعراض جسدية كآلام الظهر والرقبة الكتفين وآلام في رسغ اليد ومشاكل في الرؤيا ناتجة عن التحديق لفترات طويلة في الشاشات الإلكترونية، وغير الأعراض الجسدية فإنّ لها تأثير مادياً يصل لدرجة الإفلاس في بعض الأحيان إن كان الإدمان على مواقع التسوّق والمقامرة والألعاب، وللأدمان الإلكتروني آثار اجتماعية تظهر على الفرد بميله للانعزال والانسحاب الاجتماعي الفعلي، واكتفائه فقط بالتواصل مع الآخرين عبر الإنترنت.
أعراض الإدمان الإلكتروني
يظهر على المدمن الإلكتروني عدة أعراض تدل على أنّه مصاب بحالة إدمان، وتقسم هذه الأعراض كالتالي:
أعراض نفسية:
مثل الكآبة، والقلق والتوتر، والعزلة، والشعور بالنشوة عند استخدام الكمبيوتر والانترنت، والتقلب المزاجي.
أعراض جسدية: آلام الظهر، ومتلازمة النفق الرسغي، وسوء التغذية سواء بالإفراط بتناول الطعام أو عدم تناوله، وآلام في الرقبة، وجفاف العيون ومشاكل في الرؤية. علاج الإدمان الإلكتروني
إنّ التخلّص التام من الإدمان الإلكتروني بحاجة لجهد كبير كغيره من أنواع الإدمان، ويمكن اتباع هذه الطرق للتخلص من الإدمان الإلكتروني والرجوع للحياة الطبيعية:
العلاج السلوكي
وهو علاج فعّال في تحديد الأسباب الخفية للإدمان أو تعلّم طرق مواجهته للحد منه وإيقاف السلوكات المدمّرة للصحة الجسدية والنفسية، ويركّز العلاج السلوكي على تزويد المدمن وتعليمه الطرق الأكثر صحة للتعامل مع العوامل المحفّزة لإدمان التكنولوجيا من اكتئاب وشعور بالوحدة والقلق والتوتر.
استخدام برامج التحكم في محتوى الانترنت وبرامج أخرى لتحديد أوقات الاستخدام، وهي برامج مهمة تساعد المدمنين على التحكم بأوقاتهم، وقد أثبتت هذه البرامج فعاليتها في مساعدة المدمنين جنباً إلى جنب مع العلاج السلوكي.
الانضمام لمجموعات الدعم الخاصة بعلاج أنواع الإدمان المختلفة، وكما يمكن متابعتها عبر الإنترنت، لكنه يتم التحذير من متابعة أي شكل من أشكال العلاج للإدمان الإلكتروني عبر الإنترنت لأنها قد تؤدي لتفاقم المشكلة.
دور الوالدين في حماية أولادهم
يجب على الوالدين عندما يبدأ أبناؤهم بالجلوس على الكمبيوتر والدخول إلى شبكة الإنترنت أن يخبروهم أنّه لا يوجد ما يمنع ذلك، ولكن يجب وضع بعض الشروط قبل الدخول إلى الإنترنت، ومن هذه الشروط الآتي:
يجب إخبار الأبناء عن عدم إعطاء أي معلومات تخص الأسرة كعنوان المنزل، أو الاسم، أو رقم الهاتف، فربما يستخدمها بعض الأشخاص في عملية ابتزاز للآباء، أو عملية سرقة للحسابات البنكية أو بطاقات الائتمان.
عند شعور الأبناء بوجود مواقع غير جيدة تظهر لهم على الإنترنت، فيجب إخبار الآباء عن هذه المواقع، ومن ثم يقوم الآباء بعمل حظر لهذه المواقع الإلكترونية والكثير من المواقع الشبيهة بها.
عدم القبول بصداقة أي شخص على مواقع التواصل الاجتماعي دون معرفة الوالدين، فربما يقوم بعض الأصدقاء على هذه المواقع بنشر صور أو تعليقات فاسدة تضرُ بالأبناء.
عدم الانفعال أو الغضب في وجه الأبناء في حالة حدوث أي شيء خاطئ، فمعرفة الأبناء أن إخبارهم بأشياء خاطئة حدثت معهم لن يؤدي إلى غضب الآباء المفرط فيه، فذلك يوّلد الثقة المتبادلة بين الأبناء والآباء.
يجب علينا تنبيه أبنائنا بعدم صحة كل المعلومات الموجودة على الإنترنت، وعدم الإعجاب بأي شيء يُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي ومشاركته.
عدم السماح لهم بالمشاركة في الدردشة على مواقع التواصل الاجتماعي، فبعض الأصدقاء على هذه المواقع ربما يستخدموا تلك الدردشة في الابتزاز من أجل النقود، أو في استغلال الفتيات في بعض الأمور السيئة.
الحرص على إيجاد المواقع المفيدة التي تنمي مواهب أبنائنا، فالإنترنت مليء بهذه المواقع المفيدة والتي يتبناها أشخاص لهم خبرات في التعامل مع الأطفال والمراهقين. استخدام برامج الحماية وبرامج المراقبة الأبوية، والتي تسمح بعدم سرقة البيانات والدخول إلى المواقع التي يتم تصنيفها على أنها ضارة من قبل الأبوين.
تحديد بعض الأوقات للجلوس على الإنترنت والتي يكون فيها الوالدين متفرغين لأبنائهم وقادرين على الاطلاع على ما يشاهده الأبناء من وقت لآخر.
الرقابة لا تعني المنع
قد يجد بعض الآباء أن منع دخول الإنترنت إلى البيت هو الحل الأفضل من الرقابة أو الإشراف الأسري، وربما يفضل البعض أن يمنعوا الأبناء من الجلوس على شبكة الإنترنت، وهذا ما لا ننصح به، فالإنترنت رغم المساوئ الكثيرة التي توجد فيه، غنيٌ بالأفكار التي تفيد الطفل والتي تستطيع تنمية مواهبه وقدراته، ونستطيع من خلاله أن ننشئ جيلاً قادراً على مواكبة العصر الذي نعيش فيه، والذي يتميز بالسرعة والتطور الهائل والذي لا يستطيع الإنسان الانعزال عنه.
وختاماً فإنّ التربية السليمة هي التي تولد لدى الأبناء الرقابة الحقيقية في تجنب مخاطر الإنترنت، فما عليكم أيها الآباء إلا زرع البذرة الأساسية في نفوسهم، وحاولوا أن تثقوا بأبنائكم لأن هذه هي الوسيلة الوحيدة لكي يشعروا بالمراقبة الذاتية بعيدا عن الضغوط التي يفرضها الآباء والمجتمع على حد سواء.


















