رسالة لمن يحمل الجنسية المصرية ولايعلم معنى الوطن ؟!
بقلم : المستشار محمد علوان
عندما نتحدث عن الوطن ينتابني شعور عجيب مزيج من الحب والعشق والأمن والأمان ولقطات من ذكريات جميلة يتخللها معاني عميقة ومن تقديرى أن كلمة وطن تعنى فى مجملها «الأمان» الوطني وهو الذى يعطينا الشعور بالأمان.
وقد سمعت هذا التساؤل فى أغنية مصرية تقول: يعنى إيه كلمة وطن ؟!!! ... يعنى أرض .. حدود .. سماء ولا «حالة من الشجن» تقديرى أنه يعني أكثر ما يعنيه «حالة شخص».
وقد سألت عدة أشخاص من القريبين مني والمختلفين فى مستوى التعليم ومستوى التعبير فجاءت مع ذلك إجابتهم وإن اختلفت فى معناها اللغوي فهي متفقة فى مضمونها وفحواها.
قال أحد من سألتهم هى داري وزوجتي وأحفادي ورزقي وقال آخر ما يقرب من هذا المعنى قائلاً هى قريتي وأهلي وناسي ومنامي، وقالت سيدة على قدر من الثراء وأتاح لها ثراؤها أن تسافر إلى كثير من بلاد العالم، هى الحضن الكبير وهى أهلها ونيلها ثم أضافت كدت أعثر مرة وأنا أسير فى أحد شوارعنا وكان بالقرب منى شاب لا أعرفه ولا يعرفني وأظن أن سني لم يكن مصدر إغراء له، فأنا على الأرجح أكبر من أمه ولكن مع ذلك بمجرد أن رآنى أعثر تقدم إلى مساعدتي بكل حنان ومودة وظل يساندني إلى أن طلبت سيارة أخذتني إلى منزلي.
أين فى بلاد الدنيا الكثيرة التى زرتها كنت سأجد ذلك لا أحد يهتم بأحد ، الكل مشغول بنفسه ولا غير نفسه.
حقاً الوطن هو الشعور بالأمان.
ولهذا يتمسك المصريون – أو غالبيتهم العظمى – بالتشبث بالبقاء على أرض مصر.
ولماذا يقسم الفلاح المصرى البسيط «بغربته» إذا اغترب عن قريته وذهب إلى المدينة سعياً إلى العمل أو إلى التعليم.
يتمسك المصريون بأرضهم رغم المعاناة الإقتصادية لدى الغالبية من الشباب، لأنهم يشعرون وهم على أرضها بذلك الإحساس بالأمان.
يشعرون كما قالت السيدة التي سألتها إنها هى الحضن الكبير الذى يجعلهم يحسون بالحنان والأمان.
لماذا هاجر الناس من العراق وهى بلد من أقدم بلاد الحضارات ومن أغنى بلاد العالم بالثروات – هاجروا منها لأنهم فقدوا الإحساس بالأمان فيها.
ولماذا هاجر الملايين من سوريا بلد الجمال والحب إلا لأنهم فقدوا الأمان فى ذلك البلد الذى كنا نقول عنه فى الماضى «وَعِزُّ الشَرقِ أَوَّلُهُ دِمَشقُ» أو كنا نقول «سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ..... وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشق».
فقد ولدتُ أحب هذه الأرض، دون شرط، وكبرتُ على حب هذه الأرض، دون شرط.
لم أشترط على أمي أن تكون أماً لي ، ولم أشترط على وطنى أن يكون وطني .. المقايضة فى الحب تُفقده قيمته.
كلاهما عندي واحد صحيح، لا فرق بين الأم التى أنجبت أو التى آوت.
أحببت أمى وهى سيدة بسيطة، على قدّ حالها، لم تملك حساباً بنكياً ضخماً ولم تضع فى المكتبات شهادة دكتوراه أو ماجستير، ولم تكن يوماً ذات نفوذ أو سلطة.
أحببتها ليس تفضّلاً منى، ولا لأي سبب سوى أنها: أمى، وأننى: بنى آدم، لحم ودم وروح!
نحبُ وطننا من هذا الفهم، وعلى هذا الأساس.
نحبه سواء كان فقيراً أو غنياً، إذا أعطانا أو لم يعطنا شيئاً، ضعيفاً متعباً منهكاً منهزماً أو قوياً شديداً متماسكاً يفخر بالنصر، ثائراً متمرداً أو مستقراً صبوراً، نُحبه على كل حال، مثلما نحب هذه السيدة التى نخرج إلى الدنيا من رحمها، نحبها وهى شابة عفيّة تُنجب، وهي أم عاقلة تُربى وترعى، وهي عجوز تجلس على فرشتها البسيطة دون أن تُقدم أو تُؤخر، لكنها مع ذلك تظل محتفظة بقيمتها فى قلوبنا، ننحني على رأسها نُقبّلها، نرتمى فى حضنها، نمسح على يدها، ونطلب منها دعوة.
الوطن هو قصيدة شعر أولى فى حياة شاعر بدأ منها، وقصيدة شعر أخيرة فى حياة شاعر يختم بها.
لا يهرب امرؤ من قدره، والوطن قدرنا الذى لا نهرب منه ونرضى بحلوه ومره، هو الأرض والأهل وخلق الله الذين نعيش وسطهم، الوشوش التى نراها فى الطرق، البيوت التى نحفظها طوبة طوبة، أحلام الصبا وطيش البلوغ وتمرُّد أوائل العشرين واتزان منتصف العمر وحكمة ما بعد الستين عاماً.
هو أمسنا ويومنا والغد الذى ستدق ساعته بعد قليل.
كيف يهرب إنسان من كل هذا؟ وكيف يُقرر أن يحيل كل هذه المعانى إلى معاش مبكر، أو يوافق على صياغتها فى نص ركيك ساخر يثير به ضحكات زملائه، بينما هو ينفث دخان سيجارته غير منتبه إلى هذا الجُرم الذى يقترفه!
وإذا كان هذا فى تقديرى هو معنى الوطن فما معنى الدين؟
ولا أقصد ديناً معيناً وإنما أقصد جوهر الدين.
الدين هو الذى يعطينا نوعاً من الأمان النفسى وشعوراً قوياً بعدم الضياع، وكما قال أحد الشعراء «حيث لا دين فلا أمان» ولعلّى أختتم هذا المقال وأنا أتوجه إلى الله العلى القدير، خاصة وأنا أكتب فى ليلة ميلاد السيد المسيح عليه السلام لأقول للشعب المصرى كله كل عام وأنتم طيبون وآمنون على أرض هذا البلد الطيب.
وما قاله أمير الشعراء أحمد شوقى رحمه الله:
وطنى لو شغلت بالخلد عنه نازعتنى إليه فى الخلد نفسى..
وفى الختام أكرر ما قاله أحد المطربين العرب فى بلد من بلاد العروبة القلقة «خذوا المناصب... والمغانم... بس سيبولى الوطن».
حفظ الله مصر بهمة وترابط أبنائه الوطنيين المخلصين الشرفاء حماة الوطن ... باختصار شديد من يطلق عليهم حقاً《المصريين》.


















