"وترحل الأيام" بقلم د.هدى بسيوني
كتبت : د.هدى بسيوني
كم مرة نظرت إلى ساعتك؟ إلى هاتفك؟ كم مرة ودعت مسافرًا واستقبلت عائداََ بمشاعر ودموع وضحكات وأفراح؟ يُداهمنا الوقت أحيانًا ، وترحل الأيام من بين أيدينا في غفلة منا، فمقولة«الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك» تعيد إليّ مشاعر الطفولة..فما زال في الحياة جولات ونزال ، والعمر صار أثمن والوقت صار مقصلة.
حزم الحقائب ولملمة الذكريات صارت جزءًا من حياتي ؛ في كل بلد أودع ذكرى تقبع في زاوية ما علها تناديني يومًا... قلبي محمل بالكثير من الحب والمشاعر الصادقة والوداع المرهق .
مُوجِع جدًا أن تحمل غربة وطن، وحب أهل، ووداع محبين على ظهرك ، أكرمتني الأيام بنصيب من القبول الاجتماعي ، وفتحت لي أبوابًا ما كنت لأطرقها ، وشاءت الأقدار أن أكون مصرية عربية في داخلي دم عربي أصيل ، وعندما يأخذني الرحيل لأي بلاد الدنيا أدرك الوجع، فبحكم نشأتنا الشجن والعواطف جزء من تركيبتنا ويؤلمنا مغادرة المكان ولطالما البكاء على الأطلال جزءًا من ثقافتنا.
مما يعني أن تضع عمرك في حقيبة سفر وذكرياتك في صناديق كتب عليها قابل للكسر مختزلاً حياتك في لحظات السعادة ، لكل شيء في الحياة ضريبة لابد من سدادها بدمعة أوابتسامة مجبر عليها ، فأنت على خشبة مسرح الأداء تُقدم دورًا ساقته الأقدار لك ، فإما أن تسمع التصفيق عاليًا وإما أن تبقى في الظل يلفك الفشل.
تحتاج أدوار البطولة لجهد ، والرحلة طويلة،تعلمت الكثير في زمن كَبَرتُ فيه على العلم، وجاملت وابتسمت في الأوقات الصعبة ، بين أنين بلدي ودموع الأيام وبين أضواء المجاملات المفروضة عليك بإرادتك.
في الحياة أنت لا تختار وجهتك ، ولطالما تمنيت أن أعيش بسعادة في بلدي وألا يأتي على يوم وأكون مجبرًة على التلويح بالوداع لذكريات أوأيام أو أشخاص قدموا لي يومًا ما أروع المشاعر،الوطن غالي ويمسح عن عيني دموع الأشواق لطالما كانت الأغلى والأصدق.
صادفت وجوهًا ألفتها وألفتني، وصادفت وجوهًا أخرى ودعتها بكل امتنان، تمر الأيام وأنا أصافح آلاف الآيادي بكل حب واحترام، وأنا ازداد إعجاباً بالشخصيات، فالفقد مؤلم ، وأحيانًا التواجد مع بعض الأشخاص الذين تعتقد أنهم الحياة مؤلم ووجع البقاء يساوي آلام الفراق وعندها يحين الرحيل، فعندما يؤلمك سن من أسنانك ؛ ومن شدة الألم ، يصبح همك الوحيد هو قلعه، وعندما يتم قلعه.. لا شعورًيا يصبح لسانك طوال الوقت يتجه إلى ذلك الفراغ الذي تركه السن، بمعنى أقوى وأفصح أنه ترك فراغًا وأصبحت تفتقده.
غالبًا ما يأخذ وقتًا طويلًا لتتعود على هذا الفراغ، لكنك ستتعود..وتسأل نفسك هل كان يجب عليك قلعه ؟ فتقول : نعم كان يجب ذلك لأنه كان يسبب لك ألمًا ووجعًا فظيعًا، وهكذا هم بعض الأشخاص في حياتنا وبعض المواقف تُجِبرك على التخلي عنهم وتُكْمل حياتك من دونهم ، رغم أنهم كانوا مصدر سعادتك في يوم ما... صحيح سيتركون فراغًا في حياتك، لكن يكفي أنه لم يعد هناك ألم ووجع.
هكذا المطارات والمحطات والموانئ تحمل بداخلها الكثير من المشاعر والدموع والابتسامه والفرح والحزن والسعاده والألم والرحيل والوصول، فدأبنا كلنا بين مغادر وواصل، وهي أقدار ليست لنا فيها حيلة، أما مشاعرنا وعقلنا فلنا به كل الاختيار لنترك ورائنا ذكريات سعيدة وكلمات تُفِرح القلوب وتُسْعد النفوس، فكن أنت السعادة عند رحيل الأيام.
