وفي الأوقات سرقات
بقلم : م.أشرف الكرم
هذا الذي يتعداني في طريقي للعمل أو لقضاء مطالبي الحياتية التي أحتاج فيها إلى كل دقيقة، هو يسرقني.
وهذا الذي لا يعبأ بي ولا بما بذلته من أعباء كي ألحق بوقتي ولأكون في موقعي بين السيارات في هذا الموضع المتقدم نحو المخرج أو المدخل للطريق السريع ، و يجور على موقعي ليسبقني ، هو يسرقني.
ويؤلمني كثيرًا أن يتمسك الكثيرون بحرمة السرقة ويتمسكون بخُلُق الأمانة نحو التزام عدم السرقة في المال ، وهم لا يحسبون للتعدي على أوقات الآخرين أي أهمية ، ولايعُدونها من التعديات.
ونجد تلك السرقات بأشكال ونماذج مختلفة ومتنوعة ، فهناك من يتصل بك ليقتحم حياتك العملية في أوقات العمل التي لا تحتمل الإهدار في الوقت المحدد للعمل ، وقد يستحيي ـ وهذا خطأ ـ البعض من صد المتعدي على الوقت الخاص بالعمل ، ولا يجد مناصًا من استمرار التواصل مع المُعتدي المتعدّي على وقته.
وأحيانًا أخرى نجد من يقفز على حياة الآخرين الخاصة ويتعدى على خصوصية الآخر بزيارة في غير موعدٍ مناسب أو مسبق، مما يضطر المضيف أن يستقبل الزائر بلا رغبة، ليستمر الزائر دون أي حساب لتعديه على وقت الآخرين.
والصور في ذلك كثيرة ، مما يجب أن ننتبه له جميعنا ـ ولا أبري نفسي ـ إذ أن الانتباه لأوقات الناس شيءٌ أكثر من هام ، خاصة وأن التعدي أحيانًا لا نستطيع دفعه عن أنفسنا كما يحدث في من يجور على سيارة مجاورة ليأخذ مكانها عنوة كما أسلفنا ، أو في عداها من اللصوصية المقيتة في سلب أوقات الناس.
ومن العجيب الغريب ، أننا نجد من يفعل ذلك ، هو أول من يتأفف وينتقد بحِده حين يستشعر أي تجاوز ممن يتعدون عليه في نفس الأفعال التي لا يلقي لها هو انتباها فيما يخص الآخرين.
لكننا لا ننسى أيضًا، أن هناك من يفعل ذلك وليس في مخيلته أنه يفعل تعديًا أوسرقة من وقت الآخرين ، ويعتبر ذلك أمراً هيناً ، لكنه عند من يُسرق عظيم.
وعلينا إزاء هؤلاء ، أن نُرقّي مفاهيمهم نحو حقوق الغير ، ووجوب الانتباه لأي استحقاقات قد نتسبب ـ حين نتعدى عليها ـ في ظلم وهضم للغير كبير، وأنه كما أننا نتأفف من الآخر حين نراه يتعدى، فإن علينا رفع حساسيتنا تجاه حقوق الغير ولانتعدى.
إن رفع وعي الناس ولفت انتباههم لكل تلك الممارسات المتعدية وعِظم ضغطها على الآخرين، وإن النقاش العام من النخب المثقفة تجاه المجتمع، وبين الناس أنفسهم بعضهم بعضاً في ذلك المضمار، لأمرٌ نحتاجه بشدة وبإرادة صلبة تعمل على ترقية الأفهام ورفع الوعي تجاه حقوق الآخرين.


















