حسن بخيت يكتب : " مهلًا أيها الشامتون "
بقلم : حسن بخيت
فور انتشار الأنباء عن فيروس الكورونا ، الذي أصاب الصين ،وجاء رد الفعل العربي التنوع بين المتعاطف مع الصينين وعددهم قليل ، وآخرون غلبت عليهم الشماته فيهم وهم الأغلبية ، نظرًا لظهور هذا الفيروس عقب محاصرة الحكومة الصينية لمسلمي الأيغون .
تفسيرات كثيرة كتبت على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة لما يحدث الآن في الصين ، منها ما يقبله العقل ، ومعظمه مبالغ في تأويله ، فالغالبية اعتبروا ظهور فيروس الكورونا هو انتقام الإله ورده على محاصرة الصين لمسلمي الأيغور وتعذيبهم قبل شهور ، واعتبر آخرون أنه انتقام لجرائم الصينين ضد المسلمين.
وقال مغردون : أن فيروس كورونا مصتنع ووراء ظهوره أمريكا وترامب لوقف النمو الاقتصادي الصيني الذي أصبح مرعبًا ، بينما اتخد فريق ليس بالقليل من المغردين العرب موقفاً معارضاً للشماتة والتفسيرات التي اعتبروها ساذجة.
ـ أحترم كل الأراء ولا أقلل من عقول الأخرين ـ لكن تعالوا معي نحلل ونناقش القضية بالعقل وبدون عصبية وفقدان للعقل والفكر.
أولًا : لا أحد ينكر أن الأزمات كالأعاصير والزلازل وانتشار الأمراض كالفيروسات، وغيرها من الظواهر والأزمات التي لا دخل للإنسان في تواجدها ، تحل بالدول دون إختيار منها ، بل رغم أنفها ، وتكون مكرهة عليها ، لأنها جند من جنود الله يرسلها كما يشاء ، ولمن يشاء ، وتكون للعبرة والعظة ، أو للابتلاء والإختبار ، وأحيانًا للغضب والانتقام ،ولا يعلم أمرها الا الله ـ سبحانه ، فالكون بيده والبشر عباده ، وكل شيء عنده بقدر معلوم ..
ثانيًا : الأمر ليس بوقوع الأزمة أو مجيئها ، فقد رأينا دول كبري متقدمة تتعرض لأكبر وأصعب الكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين والاعاصير ، او انتشار الفيروسات ، وغالبًا ما تكون خسائرها البشرية أوالمادية متدنية جدًا مع حجم وقوة الكارثة ، بينما نرى الأمر مختلف تمامًا في دول أخرى ، فقد تمر تلك الدول بمشكلات بسيطة ، لا تصنف كأزمات أو كوارث ، كسقوط أمطار غزيرة، أوانهيار عقار ،او انفلونزا عادية ، ونراها تعصف بها ، وتغرق في شبر من المياه ، لانها غير مهيئة ولا تمتلك من فنون التعامل مع الأزمات أي رصيد ، وتفشل في الخروج من الأزمة بسلام.
والعجيب أن نفس المشكلة تتكرر معها عام بعد عام ، لتكون المحصلة مئات بل ألاف من الوفيات ، والخسائر المادية تكون فادحة ، لأنها لم تستطع التعامل مع الأزمات لا بعلم ولا بفن إدارة الأزمات، ولاتوجد ثقافة لدى المواطن للتعامل مع أي مشكلة " ولم تتعلم من أزماتها السابقة في المستقبل ، لأنها تعتمد على العشوائية في التخطيط ، بجانب الجهل والتخلف السائد بين مواطنيها...
تساؤلات تفرض نفسها ..
لماذا كل هذه الحملات والتغريدات التي تظهر الشماتة في دولة أصابها الله ـ سبحانه ـ بأزمة حتى ولو كانت غير مسلمة ، وفي الوقت نفسه، لا ينكر أحد أنها دولة متقدمة وشعبها منتج ومخترع وتستفاد من اختراعاته وإنتاجه وفكره وعلمه العالم كله ، وعلى رأسهم الدول العربية ؟!!!
الصين ليست دولة الملائكة ، وفي نفس الوقت دولة ليست عدوانية كدول أخري تريد السيطرة على العالم العربي بالبلطجة ، وكلنا نعرفها !!!
معظم المغردون العرب يدعون ويتمنون انهيار الاقتصاد الصيني !!! ،ولم يفكر واحد منهم أو يسأل نفسه سؤال واحد ، كيف نعيش نحن العرب بعد انهيار الصين اقتصاديًا ؟ وكل ما نستخدمه نحن العرب الآن فى حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنه بأي شكل كان، لم يخترعه العرب أو المسلمون مثل: التليفون والموبايل والتلفزيون والكمبيوتر والطائرة والقطار والكاميرا والسيارة والثلاجة والغسالة وجميع الأجهزة الكهربائية والالكترونية ، وأدوات المدارس من قرطاسيات وأقلام ... إلخ ، ناهيك عن الملبس والمأكل وكل مقومات الحياة ، حتى فانوس رمضان ولعب الأطفال وعيدان الكبريت والولاعات ليست من صناعة العرب ، أى أننا نستعمل فواكه الحضارة الحديثة هذه من دون أن نشارك فى صناعتها بكل أسف!
المسلم لا يشمت في أحد ، فداء الشماتة لا تتصف به إلا النفوس المنحطة الوضيعة ، والمسلم ليس كذلك ، فلماذا نرى الشامتين يغردون ويكتبون ويتحدثون بفرحهم وسرورهم نكاية ببني بشر قدموا للبشرية الكثير من المنافع؟ فيعمل إعلام الشامتين على منصات التواصل الاجتماعي على إظهار الغبطة والنشوة بما يحصل لهم ، ويتصدى الشامتون لوسائل التواصل يردحون ويرقصون طربا لتلك الأزمة،وما ذلك إلا لأن الشامتين يختلفون مع أولئك في طروحاتهم أو آراءهم أو أفكارهم أو منهجيتهم.
لكن : ماذا نفعل مع جهلاء الدين وأنصاف العقول؟ ، فديننا الاسلامي حرم الشماتة ولم يبيح للمسلم أن يشمت في مصائب غيره ، ولا أدري كيف يبيح المسلم لنفسه الشماتة سواء بأخيه المسلم أو بفير المسلم ؟ فهل لك أن تتشفى بمصيبة الأخرين ، حتى وإن كنت تخالفه ؟ ألم يرد على مسامعك : (أن النبي صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام، فقيل له إنها جنازة يهودي، فقال: أليست نفساً؟ )
تساؤلات كثيرة أخري لن أذكرها ، لأنني ولا أجد إجابة لها !!!
لكن : ما العمل؟ وأين الحل ؟
لماذا وصل الحال بنا إلى هذا المستوى البائس؟ وكيف ننفلت من أسر هذا الوضع المحزن والمخزي؟ كيف ننهض ؟
للأسف لن ننهض ولن نخرج من عنق الزجاجة ، لأن طريقة تفكيرنا هى المشكلة نفسها ، ورؤيتنا للعالم هى المأساة الحقيقية ..
ومع كل هذه التحديات والصعاب التي تعرقل نمو ونهضة الأمة العربية والاسلامية ، إلا أنني أؤكد أن خلاصنا من واقعنا المر لن يتحقق إلا عندما نحرر عقولنا من كل ما يعرقل نموها وتطورها ، ولا بديل لنا من أن نصنع مجتمعاً ينهض على العلم، مجتمعاً ينعم بالفكر والأدب والوعي والثقافة ، مجتمعا يقدر قيمة العمل والإنتاج، مجتمعاً يسهم بنصيب فى إثراء الحضارة الإنسانية. مجتمعاً ينفر من القبح والفوضى والقذارة، مجتمعاً يبجل قيم الحق والخير والعدل.


















