التليفزيون المصري بين سندان الترهل الإداري ومطرقة التطوير .. بقلم محمد عبد الرحمن حجازي

"التليفزيون المصري بين سندان الترهل الإداري ومطرقة تطوير قادم من خلفية الإعلام الخاص "

تقديم :
قبل أكثر من عام كنت أعاني وبعض زملاء العمل ككثير من العاملين بالخارج من جراء مشكلة عمالية وكنت بحاجة لمساندة إعلامية لإثارة القضية خصوصا وأنها قضية عامة وليست مجرد قضية خاصة ، وفي ظل تجاهل قنصلي - وقتها- ليس مجال ذكر تفاصيله الأن .. لم يكن أمامي وزملائي إلا إثارة الموضوع إعلامياً على وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات المصرية وأعترف أني لم ألجأ أو حتى أفكر في الفضائية المصرية لموروث مستقر في دواخلنا مفاده أن الإعلام الرسمي لن يتصدى لهكذا قضية عن تقاعس جهة رسمية عن أداء مهامها فتجاهلنا هذا الخيار وقررنا أن نتواصل مع الإعلام الخاص .. ووالله عشرات الرسائل والمناشدات ولم نتلق أي رد أو اهتمام ، وذات مساء مفاجئ تلقيت إتصالا من إعلامية مصرية تقدم برنامجا على الفضائية المصرية إسمه برنامج " وصال- الذي يهتم بالمصريين في الخارج " وهي المذيعة عبير أبوطالب ، ووسط دهشتي الشديدة أخبرتني أنها قرأت ما كتبنا على الفيس بوك وأنها وفريق عملها يطلبون منا نسخة مما لدينا من مستندات ليتسنى لهم تقديم المساعدة فضلاً عن أنها استمعت لي لأكثر من نصف ساعة كانت تتخللها عبارات طمئنة تحس فيها رائحة دفء الوطن وبالفعل بعد أيام قليلة استهلت حلقتها بعرض مطول عن قضيتنا واتصل بي فريق الإعداد من مصر ودون تنسيق مسبق تم إدخالي معها مباشرة على الهواء وأشهد الله لم يوجهني أحد ولم يُفرَض علىَّ سقف لما أقوله وبالفعل قلت ما اعتقدت أنه يخدم قضيتنا حتى أني في هذه المكالمة شكوت إهمال بعثتنا الدبلوماسية و كذلك وزارة الخارجية وخاطبت رئيس الجمهورية مباشرة على الهواء ، ولم تك هذه الحلقة هي الوحيدة وإنما تبعتها حلقات أخرى تعهد في إحداها مباشرة على الهواء مساعد وزير الخارجية للشئون القنصلية بمتابعة شخصية منه للقضية مع توجيه مباشر وتكليف القنصل العام الجديد ببذل كل ممكن بعدما تأكد من عدالة قضيتنا ، وكثيراً ما كانت هذه المصرية النبيلة تتصل للإطمئنان علينا وكانت مجرد عبارات الشكر تثنينا عنها قائلة أن هذا واجبها وواجب إعلامنا نحو المواطنين.

لماذا أقول هذا على سبيل الاستهلال ؟
لا شك هناك مشكلة كبيرة يعاني منها التليفزيون المصري وهي الترهل الإداري.. تلك الإشكالية القديمة الجديدة التي لا طالما علت الشكوى منها وشُخِّصَت على أن الميزانيات المخصصة للتليفزيون تُستَهلَك في أجور آلاف العاملين ولا يبقى إلا الفتات للصرف على تطوير منظومة العمل الإعلامي من تطوير للاستوديوهات و وللعاملين بشكل مباشر في تقديم المحتوى الإعلامي وأظن كل قيادات التليفزيون والقيادات الأعلى فشلوا في إيجاد حلول ناجعة للمشكلة وإنما الحادث كان دائما المزيد من المسكنات التي تسببت في إحباط أعتقد أنه شبه عام في أوساط الإعلاميين تسبب في هجرة كثير منهم ليصبحوا العامود الفقري للاعلام الخاص الذي وبصرف النظر عن معيار المهنية أسس لعصر جديد يعتمد لغة الصورة المبهرة والإثارة في الطرح وبالطبع حدث نوع من الولاء لمشاريع الجهات والأشخاص الذين يملكون هذه الفضائيات ولو في بعض الأحيان على حساب الثوابت المهنية والأخلاقية بل والوطنية في بعض الأحيان سواء أكان هذا متعمدا أم عفويا وتلك مهنة سلامة النوايا فيها لا تبرئ أصحابها فالسهم متى انطلق لا يعود لقوس راميه مهما كانت نيته ، ومؤخرا طالعتنا الأخبار عن دمج وشيك بين قنوات خاصة بأطقم عملها وكثير منهم لم يمر يوما على مدرسة الإعلام المرئي الرسمي بتقاليده المهنية - ولا أقول باخفاقاته المُسبَبَة- مع تليفزيوننا الرسمي بدعوى أن هذا هو التطوير ولا نعلم هل التطوير من وجهة نظرهم يعني مجرد وجوه جديدة بعضها عليه مآخذ أم أنه تأسيس لعصر جديد تتغول فيه المصالح الخاصة على مصالح الوطن ؟
هل لهذه الخطوة أي تماس مع حل المشكلة الأساسية وهي الترهل في الكادر الإداري للتليفزيون؟

أتفهم أن سقف الأجور الحكومي أبدا لن يصل أو حتى يقترب من بعيد إلى سقف أجور الإعلام الخاص فما الذي أغرى الإعلاميون الذين يشار إليهم في "البروموهات" لهذا الانتقال المفاجئ؟ 
هل يمكن لبرعم الثقة في إعلامنا والذي بدأ ينمو في قلوبنا أن يستمر نموه أم أن تغيير قواعد اللعبة سيفرض واقعا لا ندري أيساعد في نموه أم يتم تقزيمه؟

كنت أعتقد أن الإهتمام بأبناء التليفزيون من الطواقم الإعلامية و الفنية وتطويرهم وتطوير أدواتهم وقواعد العمل استثمار آمن في كفاءات يمكن أن يعيدنا لريادتنا ولكن يبدو أن ملف الإعلام لم يأته بعد الدور في منظومة الإصلاح ورأيي أن هذا أمر جدا خطير فهل من مجيب؟