×
15 جمادى آخر 1447
5 ديسمبر 2025
المصريين بالخارج
رئيس مجلس الإدارة: فوزي بدوي

بهجت العبيدي يكتب : التعايش لايأتي بضربة حظ

بهجت العبيدي يكتب :  التعايش لايأتي بضربة حظ
بهجت العبيدي يكتب : التعايش لايأتي بضربة حظ

بقلم : بهجت العبيدي 

كاتب ومفكر مصري مقيم بالنمسا 

يظل كل إنسان منا أسير تجربته، وحبيس تلك المقولات التي تلقى إليه إلقاء، في مراحل عمره الأولى؛ لايستطيع منها فكاكًا، إلا إذا وصل لحالة من الوعي تمكنه من أن يخضع قناعاته، بل حتى مبادئه إلى فحص وبحث نقدي، ليزداد قناعته بها وتترسخ بدرجة أكبر، أو أن يتخلى عنها، ويبدلها بقناعات جديدة، ومبادئ أكثر صلابة وقوة.

لم ألتق قبطيّاً إلا بعد أن وصلت للمرحلة الجامعية، حيث شاء القدر أن أنشأ في بيئة لا يسكنها أقباط؛ لا في العزبة الصغيرة " عزبة موسى " التي ولدت فيها، ولا في القرية، آنذاك، التابعة لها تلك العزبة، مدينة الجمالية / دقهلية حاليا، " - التي أنجبت المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء السابق" والتي تستمر في العطاء، فتمنحنا بسام راضي المتحدث الرسمي باسم السيد رئيس الجمهورية الرئيس عبد الفتاح السيسي ـ فهذه البيئة إلى الآن تخلو من وجود الأقباط تماما، على ما أظن، فمنذ غادرت من أكثر من خمس وعشرين عاما متخذا النمسا وجهة لي، لم تنقطع خلال تلك المدة علاقتي ببيئتي الأم، وهو ما يجعل ظني يقترب من اليقين بأن تلك البيئة مازالت خالية! من أبناء مصر من القبط. 

لم أتعرف على أسماء إخوانا وأخواتنا الأقباط، فلم أكن أعلم أنهم يطلقون أسماء قديسيهم وقديساتهم على أبنائهم، وتخيلت أن كل أسمائهم مثلنا عربية، وما أن تعرفت على بعضهم، فكان أول أول ما لفت انتباهي هو عجمة الاسم، الذي علمت بعد ذلك أنه ينتمي إما للغة القبطية القديمة، أو إلى إحدى اللغات التي أنجبت ذلك القديس أو تلك القديسة، هؤلاء الذين يتبرك المسيحيون بهم. 

وإذا كنت حتى انتهاء الثانوية العامة لا أعرف أن في مصر أسماء غير العربية، لأبناء من الوطن الذي أعيش فيه، ولهم عقيدة مغايرة لعقيدتي التي هي للأغلبية في مصر، فبالقياس لا أعرف شيئا عن الديانة ذاتها، ولا قِيَمِها، إلا من خلال ما يُدَرَّس لنا في المدارس عبر مدرس التربية الإسلامية!، فضلا عن ما يلقيه هؤلاء المشايخ، في خطب الجمعة، وما يملأ بعض الكتب الإسلامية، التي كانت كثيرا من البيوت تحرص على اقتنائها، والتي تحثنا على الدعوة لديننا الحنيف، و"أن يُسْلِمَ على يديك شخص خير من الدنيا وما فيها"، كل هذا يعكس كم نحن مستغرقون في ذواتنا، لا نشعر شعورًا حقيقيا بالآخر، وإن كانت نيتنا حسنة! حيث نريد له الخير باعتناق الإسلام، ولم نسأل أنفسنا يوما، هل يحق له هو الآخر نفس هذا الحق الذي نمنحه ـ أو يمنحه ديننا - لأنفسنا، ويكون مطالب بأن يدعونا للهداية لدينه، الذي يراه حقا، يريدنا أن نتبعه، ويريد لنا الخير باتباعه. 

إن جهلنا بالآخر  ـ في تصوري ـ  هو أصل وأساس حالات الاحتقان التي يمكن أن تنشأ بين أبناء مجتمع متعدد ، حيث يرسخ حالة الاستعلاء على الآخر ، تلك الحالة التي تترك في نفسه وقلبه جرحًا غائرًا، لا سبيل إلى اندماله، وهو ما يفسر لدي حالة التوجس التي تعتري إخواننا الأقباط منا جميعا، مهما حاولنا، أعني المؤمنين بفكرة التعايش، أن نؤكد لهم أنهم أخوة حقيقيون شركاء في الوطن. 

وعلى الشاطئ الآخر من المتوسط، في بدايات تواجدي بالنمسا كان لزامًا عليّ أن أتلقى دوراتٍ في اللغة الألمانية، لفت، خلالها، انتباهي تنوع الأمثلة التي تُضْرَب في تلك الدورات التعليمية، لأجد أسماء من اللغات الهندية " الأردية"، والصينية، واللغات الأوربية كالرومانية والإسبانية وغيرها، واللغة التركية، إضافة للغة العربية، فكنت أشعر بسعادة بالغة حينما تُضَمَّنُ الجملة في أحد أركانها ذلك الاسم العربي، فلقد خفف عني مثل هذا المسلك تلك الوَحْشة التي كانت تضرب خيامها محتلة الفؤاد والنفس، وثمَّنْت كثيرا لواضع المنهج التعليمي تلك اللفتة الإنسانية الكبيرة، وأخذني ذلك لأيام طفولتي في المدرسة الابتدائية منتقلا بي إلى مرحلة الصبا فالشباب، أحث ذاكرتي لعلي قرأت مرة في كتاب القراءة والمطالعة اسما غير عربي يبعث اطمئنانا في نفوس إخواننا الأقباط، أبناء الوطن، كما بعث الاسم العربي ذلك في داخلي في بدايات رحلة حياتي في بلادٍ، لم تكن وطنًا لي! 

لم أتمكن من ذلك إلا في كتب التاريخ التي جاءت مقرونة بالمعارك والحرب والاحتلال والمقاومة، والقتل فذكرت احتلال نابليون بونابرت لمصر، ومقتل كليبر على يد سليمان الحلبي، وأسماء ملوك وقادة الحملات الصليبية على العالم الإسلامي، ثم أسعفتني الذاكرة بموضوع " عيسى العوام" ذلك القبطي الذي شارك مع جيش المسلمين! ضد المعتدين. 

ومرة أخرى تنقضي السنون وإذا بالأبناء في المدارس النمساوية، وإذا بالمناهج الدراسية تحتوي على حضارات متعددة، تحتل الحضارة المصرية فيها حيزًا واسعًا، وثقافات متباينة، وأسماء من لغات مختلفة غير الألمانية التي هي لغة البلاد الرسمية، ومما لفت انتباهي استخدام مناهج التعليم النمساوي للاسم "علي" طبعا مع غيره من الأسماء، وبالتأمل وجدته اختيارًا دقيقًا مقصودًا، حيث أنه عربي قح وإسلامي أصيل؛ سني شيعي، فأدركت أن هؤلاء الأقوام "الفرنجة"! لا يتركون شيئا للصدفة، وآمنت أن التعايش الذي ينعمون به لم يكن هكذا بضربة حظ ، أو لأن جيناتهم تعشق بالفطرة ذلك التعايش، ولكنه نتيجة لعمل مُمَنْهَجٍ وفكر عميق، وخطط تم تنفيذها ليغرسوا في نفوس أبنائهم هذا التعايش في وطنٍ لا تفرقة فيه بين أبنائه على أساس من عرق أو لون أو عقيدة أو طائفة، الذي يكاد يُفْتَقَدُ افتقادا في مجتمعاتنا، التي تُفَرِّق، ليس بنص القانون، ولكن بالثقافة المزروعة، بفعل فاعل بين أبناء الوطن، على مستويات مختلفة، تلك الثقافة التي منعت أن يُذْكَر ولو مرة واحدة في أحد موضوعات الدراسة، اسم بطرس الذي حمله العربي المصري الوحيد الذي شغل أعلى منصب في العالم حينما أصبح أمينا عاما للأمم المتحدة.

استطلاع الرأي

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 3,566 شراء 3,589
عيار 22 بيع 3,269 شراء 3,290
عيار 21 بيع 3,120 شراء 3,140
عيار 18 بيع 2,674 شراء 2,691
الاونصة بيع 110,894 شراء 111,605
الجنيه الذهب بيع 24,960 شراء 25,120
الكيلو بيع 3,565,714 شراء 3,588,571
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

مواقيت الصلاة

الجمعة 07:02 مـ
15 جمادى آخر 1447 هـ 05 ديسمبر 2025 م
مصر
الفجر 05:04
الشروق 06:36
الظهر 11:45
العصر 14:36
المغرب 16:55
العشاء 18:17