التغطية الصحية الشاملة بقلم.. دكتور هشام محمد علي
ما الذي تعنيه التغطية الصحية الشاملة؟
تعني التغطية الصحية الشاملة أن يحصل جميع الأفراد والمجتمعات على الخدمات الصحية التي يحتاجون إليها دون التعرض لضائقة مالية جراء ذلك. وهي تشمل المجموعة الكاملة من الخدمات الصحية الضرورية والجيدة، ابتداء من تعزيز الصحة إلى الوقاية والعلاج والتأهيل والرعاية الملطفة.
وتمكّن التغطية الصحية الشاملة كل فرد من الحصول على الخدمات التي تتصدى لأهم أسباب المرض والوفاة، وتضمن أن تكون هذه الخدمات جيدة بالقدر الكافي لتحسين صحة الأشخاص الذين يتلقونها.
وحماية الناس من العواقب المالية للدفع من جيوبهم لقاء الحصول على الخدمات الصحية يحدّ من مخاطر تعريضهم للوقوع في براثن الفقر المدقع بسبب الإصابة بأمراض غير متوقعة تقتضي منهم إنفاق مدخراتهم أو بيع أصولهم أو الاقتراض، مما يدمر مستقبلهم ومستقبل أولادهم.
اقرأ أيضاً
مجانا.. الرئيس السيسي يوجه بمنح اللقاح المضاد لكورونا للمصريين
وزير المالية: الرئيس يحقق حلم المصريين.. بتوفير الرعاية الصحية الشاملة
المنظمة العربية للتنمية الإدارية تؤكد أهمية تقييم أداء النظم الصحية العربية خلال جائحة كورونا
الصحة العالمية : افتقار مراكز الرعاية الصحية للخدمات يعرض 1.8 مليار شخص لخطر الاصابة بكورونا
”كسلعة ذات منفعة عامة”.. مصر تؤكد دعمها لجهود الأمم المتحدة لتوفير لقاح كورونا
الرعاية الصحية تفحص 36 ألف مريض بمنظومة التأمين الصحي الشامل
الإمارات تكشف عن نتائج التجارب على اللقاح الصيني ضد كورونا
الرعاية الصحية تعلن تلقي 4445 استفسارًا لعلاج كورونا ببورسعيد
عوض تاج الدين : أعداد مصابى كورونا المعلنة هى المسجلة بالمؤسسات الصحية
الكرملين يعلق على أنباء حول مشاكل بوتين الصحية : الكرملين يعلق على أنباء حول مشاكل بوتين الصحية
مستشار الرئيس للصحة : 80% من إصابات كورونا بسيطة وتشابه الانفلونزا العادية
بالإنفوجراف... رفع كفاءة منظومة الرعاية الصحية في مصر يعزز قدرات الدولة في استمرار مبادرات دعم صحة المواطن
وتحقيق التغطية الصحية الشاملة هو أحد الأهداف التي تبنّتها بلدان العالم عندما اعتمدت أهداف التنمية المستدامة في عام 2015. فتقدم البلدان في تحقيق التغطية الصحية الشاملة سيشكل تقدّماً في بلوغ الغايات الأخرى المتعلقة بالصحة والأهداف الأخرى للتنمية المستدامة. فالصحة الجيدة تسمح للأطفال بالتعلم وللكبار بالادخار، وتساعد الناس على الخلاص من الفقر، وتشكّل ركيزة للتنمية الاقتصادية الطويلة الأمد.
ما الذي لا تعنيه التغطية الصحية الشاملة؟
هناك عدة أمور لا تدخل ضمن نطاق التغطية الصحية الشاملة:
لا تعني التغطية الصحية الشاملة التغطية المجانية لجميع التدخلات الصحية الممكنة بصرف النظر عن تكلفتها، فليس بإمكان أي بلد أن يقدم كل الخدمات مجاناً على الدوام.لا تتعلق التغطية الصحية الشاملة بالتمويل فقط، بل تشمل جميع عناصر النظام الصحي: نظم تقديم الخدمات الصحية، والقوى العاملة الصحية، والمرافق الصحية وشبكات الاتصال، والتكنولوجيات الصحية، ونُظم المعلومات، وآليات ضمان الجودة، ونُظم الإدارة، والتشريع.لا تتوقف التغطية الصحية الشاملة على مجرد تأمين حزمة الخدمات الصحية التي تشكل الحد الأدنى، ولكنها تتعلق أيضاً بتأمين التوسع التدريجي في تغطية الخدمات الصحية والحماية من المخاطر المالية مع توافر المزيد من الموارد.لا تتعلق التغطية الصحية الشاملة بخدمات العلاج الفردي فحسب، وإنما تشمل كذلك الخدمات السكانية كحملات التوعية في مجال الصحة العامة، وإضافة الفلوريد إلى المياه، ومراقبة أماكن تكاثر البعوض وما إلى ذلك.لا تقتصر تقتصر التغطية الصحية على الصحة، فاتخاذ خطوات من أجل تحقيق التغطية الصحية الشاملة يعني اتخاذ خطوات من أجل تحقيق الإنصاف وأولويات التنمية والإدماج والتماسك الاجتماعيينكيف يمكن للبلدان إحراز تقدم نحو تحقيق التغطية الصحية الشاملة؟
تحرز بلدان كثيرة بالفعل تقدمًا نحو تحقيق التغطية الصحية الشاملة. ويمكن لجميعها أن تتخذ إجراءات للتحرك لتسريع وتيرة التقدم هذه، أو أن تحافظ على المكاسب التي حققتها من قبل. وفي البلدان التي أصبح من المعتاد فيها الحصول على الخدمات الصحية بسهولة وبتكلفة معقولة، تجد الحكومات صعوبة متزايدة في تلبية احتياجات السكان الصحية المتزايدة المتزمنة مع تزايد تكاليف الخدمات الصحية.
ويتطلب التحرك صوب تحقيق التغطية الصحية الشاملة تعزيز النظم الصحية في جميع البلدان. ومن الضروري للغاية في هذا السياق توفير هياكل تمويل متينة. فعندما يضطر الناس إلى دفع معظم تكاليف الخدمات الصحية من أموالهم الخاصة، فغالبا ما يعجز الفقراء عن الحصول على العديد من الخدمات التي يحتاجون إليها، وحتى الأغنياء قد يتعرضون لمصاعب مالية في حالة المرض الوخيم أو الطويل الأمد. ويمكن أن يؤدي تجميع الأموال من مصادر التمويل الإجباري (مثل اشتراكات التأمين الإلزامي) إلى توسيع رقعة المخاطر المالية الناجمة عن الإصابة بالأمراض لتشمل جميع السكان.
ويعتمد تحسين التغطية بالخدمات الصحية وتحقيق الحصائل الصحية على توافر العاملين الصحيين وإمكانية الاستفادة من خدماتهم وقدرتهم على تقديم رعاية متكاملة عالية الجودة تركز على الناس. ومن شأن الاستثمارات في الرعاية الصحية الأولية الجيدة أن تكون حجر الزاوية في تحقيق التغطية الصحية الشاملة في جميع أنحاء العالم. والاستثمار في القوى العاملة في مجال الرعاية الصحية الأولية هو الطريقة الأكثر فعالية من حيث التكلفة لضمان تحسين إتاحة الرعاية الصحية الأساسية. كما أن جودة النُظم الإدارية وسلامة نظم شراء الأدوية والتكنولوجيات الصحية وتوريدها وحسن أداء نظم المعلومات الصحية وظيفتها عناصر أخرى لا غنى عنها في هذا الصدد.
ما هي الرعاية الصحية الأولية؟
الرعاية الصحية الأولية هي نهج خاص بالصحة والعافية يركز على احتياجات وظروف الأفراد والأسر والمجتمعات. وتعنى الرعاية الصحية الأولية بالمسائل الشاملة والمترابطة الخاصة بالصحة البدنية والنفسية والاجتماعية والعافية.
وتتعلق الرعاية الصحية الأولية بتوفير خدمات الرعاية الكلية للفرد لتلبية احتياجاته الصحية طيلة العمر ولا تقتصر على علاج مجموعة من الأمراض المحددة. وتضمن حصول الأشخاص على خدمات الرعاية الشاملة التي تتراوح من تعزيز الصحة والوقاية إلى العلاج والتأهيل والرعاية الملطفة وتقترب قدر الإمكان من بيئة الأشخاص اليومية.
وقد وضعت المنظمة تعريفا ًمتماسكاً للرعاية الصحية الأولية يستند إلى ثلاثة عناصر هي التالية:
ضمان التصدي لمشاكل الأشخاص الصحية عبر خدمات الرعاية الشاملة لتعزيز الصحة وحمايتها والوقاية والعلاج والتأهيل والتلطيف طوال دورة الحياة، ومنح الأولوية الاستراتيجية لوظائف النظام الرئيسية التي تستهدف الأفراد والأسر والسكان كعناصر مركزية لنظام توفير الخدمات المتكاملة على جميع مستويات الرعاية؛تناول محددات الصحة الأوسع نطاقاً (بما فيها المحددات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية وخصائص الأشخاص وسلوكهم) بصورة منهجية عبر سياسات وإجراءات عامة مسندة بالبيّنات على نطاق جميع القطاعات؛تمكين الأفراد والأسر والمجتمعات من تحقيق الوضع الصحي الأمثل، بتشجيعهم على مناصرة السياسات التي تعزز وتحمي الصحة والعافية والمشاركة في تطوير الخدمات الصحية والاجتماعية وتقديم خدمات الرعاية إلى أنفسهم وإلى غيرهم.
والرعاية الصحية الأولية هي الوسيلة الأكثر كفاءة وفعالية من حيث التكاليف لتحقيق التغطية الصحية الشاملة في جميع أنحاء العالم.
وتلبيةً للاحتياجات من القوى العاملة الصحية وتحقيقاً لأهداف التنمية المستدامة وغايات التغطية الصحية الشاملة، سيتعين توظيف أكثر من 18 مليون عامل صحي إضافي بحلول عام 2030. وتتركز الفجوات بين العرض والطلب على خدمات العاملين الصحيين والطلب عليها في بلدان الدخل المنخفض وبلدان الشريحة الدنيا من الدخل المتوسط. ومن المتوقع أن يؤدي تزايد الطلب على العاملين الصحيين إلى إضافة ما يُقدّر بـ 40 مليون فرصة عمل في قطاع الصحة بحلول عام 2030. ومن الضروري أن يوظف القطاعان العام والخاص الاستثمارات في تثقيف العاملين الصحيين وفي استحداث وشغل مناصب ممولة في قطاع الصحة واقتصاد الصحة.
والتغطية الصحية الشاملة لا تكتفي بالتركيز على الخدمات التي ينبغي تغطيتها، وإنما على طريقة تمويلها وإدارتها وتقديمها كذلك. فلا بد من تحول جوهري في طريقة تقديم الخدمات بحيث تصبح هذه الخدمات متكاملة ومركزة على احتياجات الأفراد والمجتمعات. ويشمل ذلك إعادة توجيه الخدمات الصحية لضمان تقديم الرعاية في المكان الأنسب، مع تحقيق التوازن السليم بين الرعاية داخل المستشفيات وخارجها، وتعزيز التنسيق بين أشكال الرعاية. ولا شك أن تنظيم الخدمات الصحية، بما في ذلك الخدمات الطبية التقليدية والتكميلية، استناداً إلى الاحتياجات والتوقعات المتكاملة للناس والمجتمعات، كفيل بتمكينهم من الاضطلاع بدور أنشط في الحفاظ على صحتهم وتطوير النظام الصحي.
هل يمكن قياس التقدم في تحقيق التغطية الصحية الشاملة؟
نعم، ينبغي أن يركز رصد التقدم في تحقيق التغطية الصحية الشاملة على جانبين هما:
نسبة السكان القادرين على الحصول على خدمات الرعاية الصحية الأساسية الجيدة.نسبة السكان الذين ينفقون مبالغ كبيرة من دخل أسرهم المعيشية على الاحتياجات الصحية.
وقد وضعت المنظمة، بالتعاون مع البنك الدولي، إطاراً لرصد التقدم المحرز في تحقيق التغطية الصحية الشاملة من خلال رصد الفئتين المذكورتين معاً، مع مراعاة كلٍ من المستوى الإجمالي للتغطية الصحية الشاملة ومدى اتصافها بالإنصاف. ويعني ذلك تقديم تغطية الخدمات والحماية المالية لجميع أفراد السكان، بما يشمل الفقراء وسكان المناطق الريفية النائية.
وتشمل مؤشرات المستوى الإجمالي والإنصاف التي تطبقها المنظمة في 16 خدمة صحية أساسية تندرج ضمن 4 فئات على النحو التالي:
الصحة الإنجابية وصحة الأم والوليد والطفل:
تنظيم الأسرةالرعاية قبل الولادة وأثناء الوضعالتحصين الكامل للأطفالالسلوك الصحي في سياق الالتهاب الرئوي
الأمراض المعدية:
علاج السلّمعالجة فيروس العوز المناعي المكتسب بمضادات الفيروسات القهقهرية علاج التهاب الكبداستخدام الناموسيات المعالجة بالمبيدات الحشرية للوقاية من الملارياوسائل الإصحاح المناسبة
الأمراض غير السارية
الوقاية من ارتفاع ضغط الدم وعلاجهالوقاية من ارتفاع جلوكوز الدم وعلاجهتحري سرطان عنق الرحم(عدم) تدخين التبغ
بناء القدرات في مجال تقديم الخدمات وإتاحتهاإتاحة خدمات المستشفيات الأساسيةكثافة العاملين الصحيينالحصول على الأدوية الأساسيةالأمن الصحي: الامتثال للوائح الصحية الدولية
ومن الجدير بالذكر أن لكل بلد وضعه الخاص وكل بلدٍ قد يركز على مجالات مختلفة أو يطور وسائلة الخاصة بقياس التقدم المحرز في بلوغ التغطية الصحية الشاملة. غير أن النهج العالمي الذي يطبق مقاييس موحدة معترفاً بها دولياً قيّم أيضاً ليتسنى مقارنة النتائج عبر الحدود وعلى مر الزمن.
دور المنظمة
تستمد التغطية الصحية الشاملة جذورها الراسخة من دستور المنظمة لعام 1948 الذي يعلن الصحة حقاً من حقوق الإنسان الجوهرية ويلتزم بضمان أعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه للجميع.
وتدعم المنظمة البلدان في تطوير نظمها الصحية من أجل المضي قدماً نحو بلوغ التغطية الصحية الشاملة والحفاظ عليها ورصد التقدم فيها. غير أن المنظمة ليس وحيدة في مسعاها هذا وإنما تعمل مع العديد من الشركاء المختلفين في مختلف الأوضاع ولتحقيق مختلف المقاصد الرامية إلى دفع عجلة التغطية الصحية الشاملة حول العالم.
وتشمل بعض شراكات المنظمة في هذا المجال ما يلي:
منصة التغطية الصحية الشاملة 2030التحالف من أجل بحوث السياسات والنظم الصحيةشبكة الحماية الصحية الاجتماعية (P4H)شراكة الاتحاد الأوروبي-لكسمبرغ-منظمة الصحة العالمية من أجل التغطية الصحية الشاملةمبادرة أداء الرعاية الصحية الأولية
وقد ا ستضافت المنظمة، بالشراكة مع اليونيسيف ووزارة الصحة في كازاخستان، المؤتمر العالمي بشأن الرعاية الصحية الأولية يومي 25 و26 تشرين الأول/أكتوبر 2018، بعد مرور 40 عاماً على اعتماد إعلان آلما-آتا التاريخي. وضم المؤتمر الوزراء والعاملين الصحيين والأكاديميين والشركاء والمجتمع المدني من أجل تجديد التزامهم بالرعاية الصحية الأولية كحجر زاوية للتغطية الصحية الشاملة في إعلان أستانا الجديد والجريء. ويهدف الإعلان إلى تجديد الالتزام السياسي بالرعاية الصحية الأولية من الحكومات والمنظمات غير الحكومية والمنظمات المهنية والأوساط الأكاديمية ومنظمات الصحة والتنمية العالمية.
وبإمكان جميع البلدان أن تفعل المزيد من أجل النهوض بالنواتج الصحية والتصدي للفقر من خلال توسيع نطاق تغطية الرعاية الصحية والحد من الإفقار المرتبط بدفع نفقات الخدمات الصحية.


















