في إستراحة الجمعة.. التدخل في شئون الآخرين
بقلم / محسن طاحون
يحضرني مشكلة بين زوجين عرفت من تفاصيلها ان هناك جاره تتدخل في شؤونهم مستغله طيبة و خجل جارتها و عدم خبرتها في الحياة ..حتى انها عقدت حياتهم فتاره تقول لها لماذا تطبخين .. زوجك معندوش رحمة دعيه يحضر لك طعاماً من المطاعم ..
و تارة تقول لها هو زوجك بخيل لا يقدرك .. لا ارى لديك ذهب و لا مجوهرات ..
و تارة أخرى تقول لها اطلبي من زوجك ان يكتب لك الشقة بإسمك ..
و هكذا حتى عقدت حياتهم و دبت المشاكل و الخلافات بينهم حتى شارفوا على الطلاق ..
إن التدخل في شؤون الآخرين هو سلوك لا أخلاقي منتشر في المجتمع بقصد تصيد أخطاء الآخرين أو إزعاجهم و استفزازهم ، و الشخص المتطفل لا يحترم خصوصيات الآخرين و لا مشاعرهم و لا احاسيسهم و ظروفهم الخاصة ..
كما أن معظم المتطفلين يعانون من ضعف الوازع الديني و الثقافي و الاخلاقي في سماتهم الشخصية ..
و بعض الناس يعيشون في نفوس الناس أكثر مما يعيشون في نفوس أنفسهم
و حقيقةً لو تعلم نصف البشر عدم التدخل فيما لا يعنيهم .. لعاش النصف الآخر بخير
و نصف الثقة بالنفس هي عدم المقارنة مع الآخرين و نصف الراحة هي عدم التدخل في شؤونهم
و عن أبي هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلَّ الله عليه و سلم " من حُسْن إسْلامِ المرْءِ تَرْكُهُ ما لاَ يَعْنِيه"
حديث حَسَنٌ، رواه الترمذي و أبن ماجه
و قال ابن الجوزي رحمه الله :
" من قطع فضول الكلام بشفرةِ الصمتِ وجد عذوبة الراحة في القلب ".
و قال فيودور دوستوفيسكي :
" إني لا أفهم لماذا يتدخل الناس فيما لا يعنيهم ".
و قال وليم شكسبير:
"تنازلوا عن دوركم في إصلاح الناس و أصلحوا أنفسكم".
للاسف مصطلح الخصوصية منُعدم في مجتمعنا و مشرد ، و البعض يتدخل في لبسك و مظهرك ، و طريقة تفكيرك و معتقداتك و علاقتك بربّك و اهتماماتك و حتى في نيتك .
و في المقابل تعد "الخصوصية" و احترام الحريات الشخصية حق بديهي في المجتمعات الغربية .. لا يخضع الفرد فيها للمراقبة و لا المتابعة و لا التلصص و لا يتدخل أحد في شؤونه الخاصة .. و أصبح "عدم التدخل " من المظاهر التي تثير استغرابنا حين نسافر إلى الخارج ؛ و كأن العكس هو التصرف السليم !!
و الغريب إننا أكثر أمة تملك آيات و أحاديث و مقولات تحث على عدم التدخل في شؤون الآخرين .. لكن لا نُحسن إتباع ما جاء فيها.
و حينما يعطي البعض لأنفسهم حق التدخل في شئون غيرهم، فتنعدم الاستقلالية، وتستباح الأمور الشخصية.
و للحفاظ على علاقة طيبة مع الآخرين يتعين علينا أن لا نتكلم فيما لا يعنينا و ألا نخترق خصوصيات الناس ، و أن نتجنب الأسئلة المستفزة مثل ..
كم راتبك ؟ .. او كم راتب زوجك؟ ..
لماذا لم تتزوجي الى الان ؟ ..
و لماذا تطلقتي؟ ..
كم مجموع ابنك او بنتك كم في الاختبارات ؟ .. جوزك بيعطيكِ كم مصروف للبيت ؟ ..
أم زوجك عاملة إيه معاكِ؟ ..
ليه جوزك ما جاب ليك هدية في عيد ميلادك ؟ ..
ليه جوزك ما بيسفركم بره ؟ ..
ليه ما انجبتي الى الان ؟ ..
و غيرها من الأسئلة التي تثير حساسيتنا و تستفزنا ..
و من أشكال التدخل غير المحمود ايضا ..
ما يحدث من تدخل الوالدان في خصوصيات ابنهم المتزوج و في نمط علاقته بزوجته ، و هو تدخل خاطيء و في غير مكانه ،
فالابن هو المعني بتسيير شؤونه العائلية ...
و ايضا ينطبق الحال على تدخل عائلة الزوجة في نمط علاقتها بزوجها.
و ربما ينظر البعض إلى هذا النمط من التدخل بين الزوجين بإعتباره أمراً عادياً ، و لكنه في حقيقة الامر غالياً ما يترك ندوباً غائرة و ينعكس أثارا سلبية على العلاقة الزوجية ..
و اعلموا ان ارقى الاناقة الاخلاقية هي ان تكون بعيداً عن القيل و القال و عن التدخل في شؤون الآخرين ..
فالبعض يقوم بالتدخل في أمور الآخرين ظناً منه بأنه يقدم خدمة إنسانية و إن الآخرين بحاجة إلى مساعدتهم .. و لكنه لا يقدر الأمور حق قدرها فيفسد أكثر مما يصلح ..
لذا من المهم أن يوازن الانسان خطواته و يعرف متى يتدخل و متى يكون متفرج فقط ..
و من أفضل الطرق للتعامل مع المتطفلين هو وضع حدود و مساحات معينة مع الآخرين و عدم السماح لهم بتخطيها بدون حرج فمن يتدخل فيما لا يعنيه يسمع ما لا يرضيه ..
و لا تخشوا من زعله .. فمن يزعل من الحق .. ابطره من حياتك و ارتاح من تطفله و ازعاجه ..
اتقوا الله في انفسكم و في الآخرين و لا تفسدوا حياتهم بتطفلكم على خصوصياتهم ..
و انشغلوا بأنفسكم و باصلاح حياتكم و اهتموا بشؤون أولادكم فهذا اجدى و انفع ..
فيجب على كل واحد منا أن يراعي حاله أولا ولا يهتم بأمور الناس لأن من تتبع عورات الناس تتبع الله عورته،
قال تعالى:
« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ » (المائدة : 105).


















