الحق يمشي.... الباطل يركب
كان الطريق طويلاً ، أمام عبد الله الطيب ، لم تكن لفظة الطيب من اسمه ، لكن كانت الطيبة أبرز صفاته فالتصق الاسم به ، يقترب منه جاره عزيز ، ويقول له :
ـ يا سيد عبد الله ، كلانا لا يملك ثمن حمار يركبه في هذا الطريق الطويل ، لم لا نتشارك ونشترى حماراً ونقطع الطريق نصفين ، أركب وتمشى نصف الطريق ثم تركب وأمشى أنا النصف الآخر.
لكن عبد الله الطيب ، الذى لم يلق من عزيز إلا شراً ، ينظر إلى صاحبه نظرة شك وريبة ، أيمكن أن يعقد اتفاق سلام مع رجل لا يحلو له إلا أن يأكل حقه ، لقد عاشا متجاورين ، وكان عزيز دوماً كأس جور ، شغله الشاغل أن يستغل طيبة عبد الله ويأخذ ما لا حق له .
لا ينسى عندما حمل له هدية عندما سمع بمرضه ، وفوجئ به يخطفها من يده ، لا يسعده الشيء إلا إذا تم اغتصاباً ، الآن يسافران معاً ، مصلحتهما في الشركة ؟ لكن كيف أعاودك وهذا أثر فأسك ، يدعى عزيز سلاماً ، لكنه زمار يموت وصوابعه تزحف إلى حق الآخرين ، حتى لو مات وفتحوا عليه التربة ، سيجدونه قد زحف إلى تربة آخر ..
ضحك من النكتة ، نتشارك ؟ نحن ؟؟! أنا وأنت ؟ كيف ؟ أأعطى القط مفتاح الكرار ..
ـ لا يا سيدى ، الله الغنى ،وابعد عن الشر وغنى له .
ـ اسمع بس ، اللى تكره وشه يحوجك الزمان لقفاه ..
نظر صاحب الحق إلى عدوه الدائم نظرة استرابة ، وأمعن النظر إليه ، كأنه يخترق جسمه لينفذ إلى الحقيقة . وقال له :
ـ لقد تعودت منك على الغدر ، فلعها غدرة جديدة ..
يقسم عزيز على الصدق هذه المرة :
ـ صدقنى ياعبد الله ، لقد أصبحت طيباً ،ألا ترى المسبحة في يدى ؟!
ـ تسبيح الفأر ، سبحان من خلقنى للفساد .
ـ يا عبد الله ، الطريق طويل ، ولا نملك سوى ثمن حمار واحد ، نشتريه سوياً ونقتسم الطريق والركوب ، ونمضى حياتنا في سلام ، الصلح خير ، وقد جربنا الحرب ، كل واحد فينا بيخسر ، بالسلام كل واحد فينا هيركب .
ـ لا يا خواجه لقد جربتك كثيراً ، وفي كل مرة أنت هو أنت ، لا تقدر أن تكون غيرك . تاكل مال النبى وتتغدى بالصحابة .
يقول عزيز :
ـ يعنى أنا اللى .. لنفرض أنى كذلك ، وأنت ؟ إذا كنت أنت الحق كما تقول فكيف لا ترحب بالسلام ، كيف تأتيك فرصة لإنهاء الحرب وتفلتها بإصرار ، ألا تجنح للسلم يا أخى ؟؟ أتدرى أنى نمت من ساعة تحت هذه الشجرة ، فخطر ببالى خاطر غريب ، إننا أنا وأنت من طول عشرتنا معاً أصاب كل منا الآخر بالعدوى ، أصبحت أنا طيباً من العشرة معك ، وأصبحت أنت شريراً من العشرة معى .
ـ أسمع كلامك أصدقك ،أشوف أمورك أتعجب .
ـ أعطنى فرصة ، مرة أخيرة ، ما محبة إلا بعد عداوة .
ـ يا سيدى ، إن الزبادى الذى تقدمه لى دوما يلسعنى بناره ، فماذا تنتظر منى ؟؟
ـ ألم أقل لك إنك أصبحت أنا ، كثير الشك ، تشك في أصابعك ، وأنك تعد أصابعك بعد أن أتركك . عموماً سأنصفك من نفسى ، تركب أنت أولاً ، أنا أثق فيك .
ـ المشكلة ليست عندى ، لأنى عند المسافة المقررة سأنزل وستركب أنت ، وعند مسافتك لن تنـزل .
ـ أنا أعذرك في كل شكك هذا ، لكن حتى لو كان ما تقوله صحيحاً ، يكون كلانا قد ركب مسافة متساوية ، وعشنا فترة سلام ، ووقتها ننظر للأمر أو نحكم الناس .. ما رأيك ؟
ـ شكل كلامك مقنع ، لكنى غير مستريح .
ـ إذن موافق ، هيا نبدأ .
اشتريا الحمار ، وركب عبد الله الطيب أولاً ، وكل ما يشغله هو :هل ينـزل عزيز عند انتهاء مرحلته ، أم سيماطله كالعادة ؟ عند المسافة المحددة وكانت أربعة أميال ، لم يكد عزيز يقول له دورى ، حتى نزل الرجل طواعية عن الحمار ، واستقر عزيز على الحمار ، وهو يقول لعبد الله :
ـ بالله عليك ، كنت تريد أن تحرمنا من تلك الراحة ..
ويمشى عبد الله ، وهو منشغل عن الراحة أو الركوب بقلقه الطبيعى من عزيز ، أينـزل له عندما يحين دوره ، أم الطبع غلاب . وتأتى اللحظة الحاسمة وتنتهى الأميال الأربعة التى ركبها عزيز ومشاها عبد الله يفكر ،
ـ دورى يا عزيز ..
ـ ما زال في حقى بعض الوقت يا عبد الله .
وتحمل عبد الله على مضض ، هو يدرى بطمع عزيز ،ويدرى أن الأمر لو اقتصر على أن عزيز بزيادة شوية ، أى يركب ميلاً زيادة كل مرة ، لرضى عبد الله ، لكنه يخشى لو وافق على ذلك أن يمط عزيز ميلاً آخر ، ولو وافق أن يركب هو أربعة أميال وعزيز ستة ، ففى المرة التالية سيطمع عزيز أن يركب هو الضعف . إنه يحفظه عن ظهر قلب ، وقد ندم على موافقته على الشركة ، فلم يحس بطعم للركوب ، وظل قبل حدوث أى شيء ذهنه شارداً ، ينتظر ما سيحدث ، لو اقتصر الأمر على نصف ميل أو ما قاربه فالأمر يهون .
وبعد قرابة الميل ، يقول عبد الله بغيظ :
ـ دورى يا عزيز ، ليس هذا ما اتفقنا عليه ، أنا عارف أنك طماع ، ومرتب نفسى أنك بزيادة حتة ، لكن ليس هكذا .. أين كلامك ، وطيبتك ، أهذا ..
ـ لقد اتفقنا أن يركب كل واحد منا أربعة أميال ، ثم يركب الآخر ، وفي المرة السابقة ركبت أنت أولاً ، ومشيت أنا ، في تلك المرة لماذا لا أبدأ أنا وتمشى أنت ، أليس في هذا العدل ؟ أم أنا غلطان ؟
ـ لكنى تعبت ، وقد ركبت أنت كفاية ..
ـ لكنى ما أقوله هو العدل ، فلماذا تعترض عليه ؟ أنت إذن تريد مصلحتك ، وأنا أريد العدل ، ألم أقل لك أننا تبادلنا المواقع ، اعتنقت أنا مذهبك ، لا أريد سوى حقى فقط ، وليس أن يكون حقى ما أريد .
ـ لكنى أريد مصلحتك ، فبعد أن تنزل سأركب أنا ثمانية أميال ، وهذا صعب عليك أن تمشيها بكرة .
ـ بكرة ، يحلها ألف حلال ، يا عم دى حتى بكرة زرعوها ما طلعتش .
ويمشى عبد الله ثمانية أميال ، وهو يضرب نفسه بالحذاء ، وكلما أحس بالضيق ، قالت له نفسه : تستاهل .. حد يطمئن للحية .. وينام في حجرها .
وانتهت الأميال الثمانية ، وعزيز يرفض النـزول :
ـ يا حاج عبد الله ،أنسيت كلامك من لحظة ، أنى بزيادة حتة ، يبقى فاضل لى ميل
وكالعادة يستمر عزيز في الركوب ، للميل التاسع ، وعبد الله يمشى ، وكل خوفه هو أن يظل يمشى طيلة الطريق . لكن لم يعد عند عزيز حجة أخرى كالحجج السابقة .
وانتهت الأميال العشرة ، وهنا تشبث عبد الله بالحمار ، يحاول أن يمنعه عن السير ، وعزيز لا يهتم ، فعبد الله منهك ، ويبذل جهداً مع الحمار ، بينما هو راكب ..ويقول عزيز :
ـ أنا كنت سأنزل من نفسى ، لكن ما دمت أخذت المسألة قوة ، يبقى مش نازل إلا لما نحتكم إلى الناس .
ـ نحتكم يا عزيز .. هو أنا الحق ولا أنت ؟؟
ـ يعنى أنت صاحب حق ، وأنا معترف لك بذلك .. أيها الناس ، بالله عليكم ، من يمشى ؟ الحق أم الباطل ..
ـ الحق طبعاً !!
ـ أرأيت ، لقد حكم الناس لى .
صرخ عبد الله في الناس :
ـ أنتم لا تفهمون شيئاً !!
انهال الناس عليه ضرباً وهم يقولون له :
ـ أيها الظالم ، أتريد أن يسود الباطل .
ظل عبد الله يجالدهم ويجالدونه ، بينما انطلق عزيز بالحمار ، يلقى السلام على كل من يقابله ، وهو يقول لكل من قابله : أنا عبد الله صاحب الحمار ..
وأخيراً ، تخلص عبد الله من الناس ، وجرى بملابسه الممزقة ،وجسمه المنهك ، يسأل كل من يقابله عن عزيز ، فيقولون له :
ـ أليس عزيز صاحب الحمار ؟ لقد قابلناه في الطريق .. لو أسرعت ستلحق به .
ويلحق بعزيز :
ـ عملتها يا عزيز ، طب أدينى حاجتى وخلى الحمار .
ـ الأول تعترف لى أن الحمار بتاعى ..
ـ وهو ما معدتش بتاعك ..
ـ يعنى معترف ، كده أنت عاقل ، وأنا مستعد أسامحك ، وأضع يدى في يدك ، رغم أن العالم كله معايا ، ويقول الحق حقى ، وملكى في يدى ، لكن برضه للجيرة حقوق ، وما دمت اعترفت أن الحمار حمارى ، نبدأ من جديد ، علاقة عادلة ، عايز تركب مفيش عندى مانع ، بس تستأجر منى الحمار ..
ـ موافق ..
ـ يا مكار ، وافقت بسرعة لأنك عايز تضع يدك على الحمار ،وتعمل معى عملتى معاك ، لا دا بعدك ، وعموما أنا مش خايف منك ، لأنى عارف أنك حقانى ، ولا تأخذ شيئاً مش بتاعك ، المهم ، نتفق أولاً ، الحمار بتاعى أليس كذلك ؟ إذن قدّم لى طلباً لاستئجاره ، الأصول ما تزعلش .
ـ حاضر ، عزيزى عزيز ، أرجو منك أن تكرينى حمارك بعض الوقت ..
ـ هذا لا يصلح ، لابد من طلب مكتوب ، اكتب وسأمليك أنا ، عزيز عزيزى صاحب الحمار ، مقدمه لسيادتكم عبد الله الطيب ، أرجو منك أن تكرينى حمارك بعض الوقت ،وذلك مقابل .. مقابل ماذا ؟ أنت لا تملك شيئاً ، لكنى سأدلك على شيء أنت تمتلكه ، اكتب ، مقابل أن أكون أجيراً عندك ..
ـ نعم !
بلاش ، لا تريد أن تركب ، بلاش ! لكن هكذا العدل ، حاجة قصاد حاجة ، تأخذ حمارى يبقى تعطينى قصاده حاجة .
ـ موافق ، بس أنا سآخذ الحمار لمدة معينة ، يبقى نحدد مدة الخدمة .
ـ ياه كده بس ، أى مدة تعجبك ، أنا مش طماع .
ـ يوم ممكن .
ـ ماتخليها أسبوع ، ولا أقولك خليها ثلاثة أيام .
ـ موافق ..
وواصل عبد الله الكتابة بصوت مسموع :
ـ في مقابل أن أكون أجيراً عندك لمدة ثلاثة أيام .
ـ أكمل ،وعلىّ فرض الطاعة والولاء ، ولسيدى كل الحق في أمرى في تلك المدة التى أعمل فيها عنده .
ـ لكنك لم تشترينى .
ـ لم أفعل بعد ، لكنى سأكون سيداً لك عندما تصبح أنت خادمى ، وأنا أخشى أن تبلط في الخط ولا تعمل ، فأريد أن أضمن حقوقى .
ـ إذن نوضحها .
ـ أنت خايف ..
ـ لا ، أخاف أزاى ، بس ما أضمنش ، أبص ألقيك بتبيعنى ..
ـ بسيطة ، نوضحها ، اكتب ، وهذا لا يعنى أننى عبد ، بل خادم عليه حق طاعة سيده ، ما رأيك في تلك الصيغة .
ـ أعتقد أنها لا غبار عليها .
ـ إذن وقع .
ـ قد وقعت ، فانزل لى عن الحمار .
ـ أقرأها أولاً ،
يأخذ عزيز العقد وينظر فيه :
ـ عقد صحيح ، لا ينقصه إلا الشهود ، نادى هذين ..
ـ هيا يا عزيز ، كل ما طلبته أصبح نافذاً .. وقد شهد الشهود على العقود ، والعقد معك ، فلتنزل لى عن الحمار .
ـ لا أنكر أنك منصف ، وأنك دفعت المقابل الذى عليك ، وأريد الآن أن أعرف ما المطلوب منى بالضبط .
ـ الحمار طبعاً ..
ـ تريده ملكك ؟!!
ـ لا ، إيجاراً كما ينص العقد ..
ـ نعم ، هكذا يكون ، لقد خشيت أن تكون طمعت ، حسناً ، ما زلت كما أنت يا عبد الله طيباً ، لم تصبح مثلى طماعاً ، تريد إذن إيجاراً ، هذا حقك طبعاً .
ـ إذن هيا !!
ـ يا سيدى ، صبرك بالله ، هى الدنيا طارت ، الحمار موجود ،وأحنا كمان ، لكن يأخذ الأمر حقه ، والعدل يأخذ مجراه .
ـ وماذا ينتظر هذا العدل ليأخذ مجراه ؟؟
ـ المدة ،أنت حددت مدة خدمتك لى ، وأنا لم أحدد مدة ركوبك الحمار ، وهذا يجعل المفاوضات لم تنته .
ـ لم يبق على المدينة إلا سبعة أميال .
ـ هكذا ، تريد أن تدخل المدينة راكباً ، ويراك الناس تركب الحمار ، ويظنوك صاحب الحمار ، وبدل ما يبقى الحمار اسمه حمار عزيز ، يبقى حمار عبد الله ، لا يا سيدى ، هذا لا يصح ، خاصة أنك ستكون في المدينة خادمى ، فكيف تدخل راكباً وأمشى أنا ، هذا لا يكون . ألست معى أنى على حق ؟؟
ـ لكن العقد يقول أنك صاحب الحمار ..
ـ وما أدرانى ، لعلك تقول للناس أن اسمك عزيز ، فيكون العقد الذى معى في صالحك ، وسيصدق الناس الراكب .
ـ سأنزل قبل المدينة ..
ثم إنى لا أحب الأمور العائمة ، أمورك العائمة تورطك ، وأنا لا أريد أن أسلك طريقك ، لا أحب إلا التحديد الدقيق الصارم
ـ لا أريد أن أركب يا عزيز ، أعطنى العقد .
ـ إنك تفقد أعصابك سريعاً يا صديقى ، أرجوك لا تتضايق منى ، بصراحة موافقتك السهلة هذه تخوفنى ، تجعلنى حريص على أن آخذ حذرى .
ـ فلتكن مرحلة كالتى ركبتها من قبل ، لم أعد أحتمل يا عزيزى ،أريد أن أركب ، لقد تعبت ، أربعة أميال ..
ـ هذا جميل ، جميل حقاً ، أنت رجل عادل ومنصف ، وترضى بقليلك ،وهذا شيء يعجبنى ،أتدرى أن أكثر شيء لا يعجبنى في نفسه ، هو طمعى ، ورغبتى في غير حقى ، لكنك أحسن حالاً منى ، قد رزقك الله بنعمة عظيمة حقاً ، نعمة الرضى بالقليل ، أتدرى أنها أكثر حظاً من الأغنياء ، الأغنياء لا يقنعون ، يظلون قلقين ، يطلبون المزيد ، ولا يهدأون ، ولا يرتاحون ،لكن مثلك من يرضى بقليله ، ينام مرتاح البال ، يا لها من نعمة ، فزت بها أنت دونى ، أرزاق.يابختك ، ربنا يبارك لك فيها . أنا لا أحسد ..
ـ المهم ، هيا إلى الاتفاق ..
ـ إننى لم أفرغ بعد من مدحك ،وأنك ترضى بقليلك ، ومع ذلك تبدو قد تغيرت ، أنا من الأول ظانن أنك نالك شيء من عيوبى التى أكرهها ، أصبحت متبرماً بعض الشيء ،وهذا عيب في بدايته ، لو عالجته قبل أن يتفحل ، ستتخلص منه ، أنا نفسى كنت أتمنى لو حد نصحنى وطلب منى أن ألحق هذا العيب قبل أن يتفحل ، لكنى للأسف ، لم يحدث ، وأصبحت مريضاً ، المهم نرجع إلى الاتفاق
ـ نعم الله يخليك ..
ـ ياه أشكرك ، أنت رجل عظيم ، تدعو لى بعد كل ما فعلته معك ، هذا إن دل على شيء فإنما يدل على كرم أخلاقك ونبل معدنك .
ـ يا أخى ، أنا ابن كلب . أنا ، طبعا مفيش حد أسوأ منك يا عزيز ،أنا بقى أسوأ منك ..
ـ ماذا دهاك يا رجل ؟ كيف تشتم نفسك هكذا ؟ لا ، يا عبده ، اشتمنى كما تريد ، لكن إياك أن تشتم نفسك ، أنت في نظرى نموذج الإنسان الكامل النبيل ، الذى تمنيت أن أكونه ولم أعرف ، فلا تهدم تلك الصورة الجميلة التى رسمتها لك في نفسى .
ـ حاضر ، أنا آسف .. بس في عرضك .. يا سيد عزيز ، أحس أنك تماطل ، بدأت أظن أنك لن تنفذ هذا الاتفاق أيضاً .
ـ أنا ، أبداً ،و الله ، ولن تجد مثلى أحداً ينفذ اتفاقياته ، إننى تلميذك الذى يعشق أخلاقك ، ويحاول أن يكونها ، نعم أجد صعوبة ، لكن هذا أمر طبيعى ، فأنا أتحول من النقيض إلى النقيض ، من رجل كله عيوب ، إلى رجل يتمثل أخلاقك الفاضلة . لكنه أمر ليس مستحيلاً ، هل قرأت لسارتر ، له رواية اسمها المومس الفاضلة ..
ـ لا يا سيدى ، لا تصبح مثلى ، أنا كرهتنى ، كرهت الفضيلة التى تضيع الحق ، فلا تكنى .
ـ أراك بدأت تنادينى بلفظة سيدى ، وهذا شيء ما كنت أقبله ، إلا بعد أن أفى لك بحقك ، لكنك يبدو قد فهمت أنك وفيتك حقك .
ـ لا أفهم ؟؟
ـ اسمع يا سيد عبد الله ، لقد أخدمتنى نفسك لمدة ثلاثة أيام في مقابل أن تركب أربعة أميال ، فهل نسيت أنك ركبت تلك المسافة في بداية الطريق ؟؟؟
ـ ماذا ؟؟
ـ ألم تقر أن هذا الحمار حمارى ، وطبعاً أنت ركبت حمارى هذا أربعة أميال ، إذن أنا وفيت بالتزامى في العقد معك ، ولم يعد سوى أن تفى أنت ،وتخدمنى لمدة أيام ثلاث .
ـ يا سلام ..
ـ انظر يا أخى عبد الله ..
ـ بقول لك أيه ، كنت تنادينى بصديقى وعملت معى ما لا يعمل ، فما الحال عندما أصبح أخاك .لا وحياة أمك ..
ـ أصبحت لغتك بذيئة يا أخى عبد الله ، لكنى لم أظلمك ، لقد منحتك حمارى مقدماً ، وماطلتنى في دفع المقابل ، وهنا أعملت براعتى وصبرى الواسع وتمكنت أن أحصل على إقرار مكتوب منك بحقى .
ـ وهل كنا نتفق على ما هو فائت ، لقد كان اتفاقنا على ما هو قادم ،أنسيت قولتك : نبدأ من جديد .
ـ أنا لا شأن لى إلا بالمكتوب ،والمكتوب في الوثيقة التى شهد عليها الناس ليس فيه تحديد الوقت ،أرأيت تعجلك ، وعدم سماع لنصيحتى ، لا تنكر أننى أكثر من مرة نصحتك بالتروى وعدم التعجل ، وكنت أطالبك بالتحديد الصارم وعدم التمييع ، لكنك لم تأخذ برأيي ، انظر كيف جنيت على نفسك ؟؟
ـ أنا غلطان .
ـ القانون لا يحمى المغفلين يا سيدى ، وقد أعطيتنى بيدك الحجة عليك ، فلم تلم إلا نفسك .
على حين غرة ، يشد عبد الله عزيزاً من على الحمار ، يوقعه على الأرض ، وينـزل ضرباً فيه ، يفر عزيز من أمامه ، ويترك له الحمار بما حمل ويركب عبد الله حماره أخيراً .


















