حكم بطلان العقد

إذا كان العقد باطلاً جاز لكل ذي مصلحة أن يتمسك بالبطلان، وللمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها ولا يزول البطلان بالإجازة، فالعقد الباطل منعدم قانوناً ولا ينتج أثراً وليس من اللازم صدور حكم لتقرير هذا البطلان، فإذا كان العقد الباطل بيعاً، فللبائع أن يتصرف في المعقود عليه، ما دام في حيازته، كما لو كان البيع لم يقع، فله بيعه الى مشتر ثان وإجراء كافة التصرفات عليه، فإذا قاضاه المشتري الأول مطالباً بتسليم العين كان له أن يدفع الدعوى بالبطلان، أما اذا سلم المبيع للمشتري فلا مشكلة من اقامة دعوى البطلان على المشتري ليسترد منه العين التي بمقتضى العقد الباطل، ويتمسك بالبطلان كل من كسب حقاً في المحل يؤثر فيه صحة العقد أو بطلانه، سواء كان كسب الحق قبل صدور العقد أو بعده، فيتمسك به كل من الطرفين وخلفهما العام والخاص، فيتمسك به المتعاقدان ودائنوهما وورثتهما، وكل من كسب حقاً عينياً على العين موضوع العقد الباطل أو حقاً شخصياً بالنسبة لهذه العين.

ففي البيع الباطل يستطيع كل من له مصلحة التمسك بالبطلان كالبائع والمشتري وورثتهما ودائنوهما، وعلى المحكمة أن تحكم ببطلان العقد من تلقاء نفسها اذا ما رفع أمره اليها، فلو رفع شخص دعوى تتعلق بعقد من وجه غير البطلان، فعلى المحكمة أن تحكم ببطلان العقد متى ما تحقق لديها سبب البطلان، ولو لم يطلب المدعي الحكم بالبطلان، اذ ليس للمحكمة أن تعتبر ما هو معدوم قانوناً ذا وجود.

والعقود الباطلة لا تلحقها الإجازة لأن المعدوم لا يكون موجوداً بالإجازة فهي لا تلحق غير العقود الموقوفة، فلا يعد العقد الباطل صحيحاً بالإجازة، وكما ان البطلان لا يزول بالاجازة، فهو ايضاً لا يزول بالتقادم، ولكن قد ينشأ عن تنفيذ العقد حالة مادية تجعل دعوى البطلان غير مجدية، فلو اشترى شخص عقاراً غير مسجل بعقد باطل وظل واضعاً يده عليه مدة التقادم المكسب ثم أقام بعد ذلك البائع أو ورثته دعوى البطلان، فلا يجوز للمشتري أن يدفع هذه الدعوى بسقوطها بمرور الزمن لأن البطلان لا يزول بالتقادم، وانما يستطيع التمسك باكتساب الملكية بالتقادم المكسب لها، فدعوى البطلان مقبولة ولكنها لا تؤدي الى ثمرتها المنشودة، أما الدفع بالبطلان فهو لا يسقط أصلاً بالتقادم لأن الدفوع لا تتقادم فإذا لم يسلم البائع العين المبيعة وتقادم الزمن على هذا الوضع ثم رفع المشتري دعوى على البائع بطلب التسليم فللبائع الدفع ببطلان عقد البيع رغما عن مرور الزمن.

أثر الحكم بالبطلان

كما قلنا فإن العقد الباطل لا ينتج أثراً، ولا يفيد الحكم لأنه غير منعقد، واذا بطل العقد وجب إعادة كل شيء الى أصله، سواء بطل لأنه غير منعقد، أو لأنه قد أبطل بعد أن كان موقوفاً، فيعاد المتعاقدان الى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، فإذا كان أحد المتعاقدين قد سلم شيئاً للأخر تنفيذاً للعقد، جاز له استرداده كاملاً، واذا استحالت الاعادة وجب التعويض، أما اذا كان سبب البطلان نقص الأهلية، فان ناقص الأهلية اذا أبطل عقده لنقص أهليته، وكان الطرف الذي سلمه شيئاً تنفيذاً للعقد الذي ابطل بعد ذلك، قد طلب منه استرداد ما سلمه اليه كاملاً، فانه لا يحكم عليه الا برد القدر الذي استفاده، مراعاة لمصلحة ناقص الأهلية.
الآثار المترتبة على بطلان العقد.

انتقاص العقد

إذا كان العقد في شق منه باطلاً فهذا الشق وحده هو الذي يبطل، أما الباقي من العقد فيظل صحيحاً باعتباره عقداً مستقلاً، الا اذا تبين أن العقد ما كان ليتم بغير الشق الذي وقع باطلاً .

أي أن العقد اذا تلبس بعدة أمور وكان صحيحاً بالنظر الى بعضها وباطلاً بالنظر الى البعض الآخر فإن العقد لا يبطل كليةً، بل يبطل منه ما لا يكون صحيحاً بالنظر اليه، ويبقى عقداً مستقلاً صحيحاً بالنظر الى ما كان صحيحاً فيه، فالعقد لا يبطل بل ينتقص، لكن اذا تبين أن الشق الذي وقع باطلاً لم يكن العقد ليتم بدونه بل هو عنصر منظور اليه، فإنه يكون باطلاً في الجميع لعدم امكان الفصل بينها، والنظرية المضادة لذلك تجعل العقد وحدة لا تتجزأ، فإذا بطل في البعض بطل في الكل .

تحول العقد

أما إذا كان العقد باطلاً وتوافرت فيه أركان عقد آخر فإن العقد يكون صحيحاً بإعتباره العقد الذي توافرت أركانه اذا تبين أن المتعاقدين كانت نيتهما تنصرف الى ابرام هذا العقد.

نظرية تحول العقد تعني إذاً أن العقد لو وقع باطلاً، ولكن توافرت فيه عناصر عقد آخر، فإنه يتحول الى هذا العقد الآخر اذا تبين من الظروف أن العاقدين كانت نيتهما تنصرف الى هذا العقد لو كانا يعلمان ببطلان العقد الذي قصداه، اي يتحول الى العقد الذي توافرت فيه عناصره، وبالتالي يشترط لتحول العقد، أن يكون العقد باطلاً، فإذا كان صحيحاً لا يتحول، أن تتوافر فيه عناصر العقد الجديد الذي يقوم مقام الأصل، أن يقوم الدليل على أن نية المتعاقدين كانت تنصرف الى الإرتباط بالعقد الجديد لو أنهما تبينا ما بالعقد الأصلي من أسباب البطلان .

ومن الأمثلة على العقد المتحول السند الرسمي الذي يفقد صفة الرسمية، فيتحول الى سند عادي ما دام موقعاً من قبل الطرفين، والبيع بثمن تافه يتحول الى هبة اذا كان قد انصب على منقول تم تسليمه.
والملاحظ أن انتقاص العقد يرمي الى مجرد تفسير ارادة المتعاقدين، أما تحول العقد فليس مجرد تفسير للإرادة بل هو عمل تقوم به المحكمة مقام المتعاقدين فتبدل عقدهما القديم عقداً جديداً تقيمه لهما وذلك بناء على نيتهما المحتملة، ولا يشتبه تحول العقد بإنصراف العقد الى النية الظاهرة أو الباطنة، لأن التحول يكون في العقود الباطلة، بينما انصراف العقد يكون في العقود السليمة، والتحول يقع بإقامة المحكمة نفسها مقام العاقدين، وانصراف العقد يقع بتفسير نية المتعاقدين .