×
17 شوال 1445
26 أبريل 2024
المصريين بالخارج
رئيس مجلس الإدارة: فوزي بدوي
مقالات

الحلقة الخامسة والعشرون

مذكرات مهاجر مجهول

المصريين بالخارج

"وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا"عرفت بعد شهور قليلة أن البروفيسور الذي طردنا من مكتبه في بوسطن اصيب بنزيف في المخ و مات في سن الخمسين من عمره، فقلت اللهم لا شماتة، وتذكرت قول الله تعالى الوارد اعلاه.

المهم، الاستاذة الدكتورة طيبة حسن كانت لطيفة جداً معنا و قررت ان تمدنا بالصبغات التي كنا نحتاج لها في ابحاثنا. بل و عزمتنا على الغداء في مطعم فيتنامي قريب من معملها.

و قد قابلت الدكتورة طيبة حسن في شمال ايطاليا بعد شهور في مؤتمر عقد في مدينة ستريزا الرائعة الجمال على شاطئ البحيرة الكبرى حيث كنا نحضر مؤتمر عن العلاج الديناميكي بالضوء. و فيه دعتني للعمل معها في بوسطن واعدة بمرتب معقول جدا وقتها، فإعتذرت لأنني في وقتها لم ارد ترك زوجتي و ابنتي. و مازالت الاستاذة العظيمة طيبة حسن في موقعها حتي الآن تعمل بكل جهدها على التوصل لعلاج للسرطانات و لتصلب الشرايين.

و رجعنا الى ايطاليا و من فوري بدأت في كتابة بروتوكول البحث الذي طلبه منا المدير في شركة القساطر في بوسطن. كنت اتابع العمل فيه ليلاً نهاراً و اكملته في اسبوع و ذلك حتى لا ينسانا هذا المدير. و بعد ذلك ارسلته، و كان حوالي ٣٠ صفحة من القطع الكبير، بالفاكس (و ايامها لم يكن هناك انترنت بعد) ، و ارسلته ايضا بالبريد المستعجل.

اقرأ أيضاً

و بعد اسبوع ردوا علينا بأنهم قبلوا البحث و ان واحداً من مدرائهم سوف يحضر لبادوفا لرؤية معاملنا. و فعلا جاء من امريكا واحد من اهم مديريهم و صحبناه في جولة في معاملنا في بادوفا و قسم المرضى في مستشفى كاستل فرانكو. الرجل اعجب جداً بالبحث وقال أنه من اقوى البروتوكلات التي قدمت لهم، و كذلك ابدى رضاه عن مستوى معاملنا واقر قدرتنا على إجراء هذا البحث.

ورجعت لبوسطن ، هذه المرة بمفردي، وقضيت فيها ثلاثة اسابيع للتدريب على استعمال هذه القساطر التي كانت الوحيدة من نوعها في ذلك الوقت.

اتيح لي وقت أكثر لمعرفة شعب الشمال الامريكي، و هم يختلفون ثقافيا عن اهل وسط و جنوب وجنوب غرب الولايات المتحدة. هم أكثر الامريكيين شبهاً باهل اوروبا الغربية. ومدينة بوسطن تكاد تكون مدينة بريطانية. وما شد انتباهي في أمريكا هو أن كل شئ فيها ضخم، العمارات ضخمة، الشوراع واسعة، الحدائق مترامية الاطراف، الميادين رحبة، القطارات مهولة، السيارات معظمها كبير و ذو سعة كبيرة (الوقود رخيص في امريكا)، و حتى اجسام الناس ضخمة. و لا عجب فالأكل رخيص و متوفر في كل مكان و كل الاوقات ويمكن أن تجد كل أطعمة العالم بالقرب منك. ولا انسى في بوسطن شارع "حرقان القلب" الذي توجد فيها أكشاك مليئة بأطعمة العالم المختلفة.

والشعب الامريكي عموما شعب مرح، سهل المعاملات و ديناميكي و دؤوب العمل. و قد لاحظت أن مفهوم الامانة مهم جداً عندهم ولا يخوّنوك مبدئيا ابدا، بل يتوقعون منك أن تكون صادقًا و مخلصاً. و لكن اذا خسرت ثقتهم مرة فسوف تخسرها الى الابد. ذهبت مع زميلتي لنشتري بعض الملابس للاطفال من محل شهير لم يكن له فروع في اوروبا في ذلك الزمن، و لكن في الفندق لاحظت زميلتي أن لون احد الملابس قد لا يعجب ابنها. و في اليوم التالي ذهبنا الي نفس المحل لإرجاعه، واستقبلتنا البائعة التي لم تكن هي التي باعت لنا بالامس ما اشتريناه. وسألت عن وصل الشراء فبحثت عنه زميلتي فوجدت انها نسته في الفندق. فقالت البائعة مفيش مشاكل انا اصدق انك اشتريته من عندنا، و اخذت قطعة الملابس و ارجعت لزميلتي النقود التي دفعتها. و هنا لاحظت أن ثمن القطعة انخفض الى النصف بالنسبة لسعر الامس. فقلت هذا للبائعة. فقالت انهم عملوا تخفيض بدأ اليوم، ولدهشتي الشديدة اعادت الي فرق الثمن وقالت ليس من العدل ان الثمن خفض اليوم وانت دفعت الثمن كامل امس. وصدقتني في كل كلمة قلتها رغم انه لم يكن معي أي وصل. هذه هي عقلية الامريكان، يفترضون في الناس الامانة والصدق مبدئيا في كل الأحوال.

هم في ذلك يختلفون عن الطلاينة والانجليز الذين يفترضون فيك اولا الكذب وعدم الامانة. و عدت الى ايطاليا ملئ بالذكريات الجميلة والآمال الواسعة.

وبعد عودتي بحوالي اسبوعين وصلت لنا القساطر المأمولة و كان عددها ثلاثين قسطرة ثمن الواحدة منهن ٣٠٠٠ دولار. مجاناً. يعني الشركة اعطنا ٣٠ قسطرة من نوع نادر تبلغ قيمتهن ٩٠ الف دولار مجاناً.

كان نجاحا ُ كبيراً لم يحدث لجامعة بادوفا أبداً. و اصبحت محل اعجاب الجميع و اغرقني الزملاء في إطراءاتهم. واصبحت فرخة بكشك عند البروفيسور.

وبدأنا العمل في البحث و قمت باستخدام هذة القساطر بخوف في البداية لكن سرعان ما اكسبت الثقة و المهارة في العمل بهن. اتلاف احدى هذه القساطر كان يعني خسارة ثلاثة الآف دولار في ثواني.

وبعد خمس سنوات من بدأ دراسة الدكتوراه و عشرات الامتحانات و خمس دراسات بحثية قدمت في الاجتماعات السنوية حان وقت الامتحانات النهائية و تقديم رسالة الدكتوراه. كان عليّ الذهاب لفلورنسا ثم الى روما لتسجيل رسالة الدكتوراه و ترك نسخة منها في المكتبتين القوميتين في فلورنسا و روما، وهاتان المكتبتان تحتويان على نسخ من كل الرسائل المقدمة في ايطاليا بالإضافة الى أي كتاب او مجلة او أي مطبوعات مهمة.

ثم سافرت مع زوجتي وطفلتي الى روما لتقديم الرسالة امام لجنة قومية مكونة من اربع اساتذة جامعيين من جامعات مختلفة من كل انحاء ايطاليا. و لم اكن وحدي فقد كان معي خمس مرشحين آخرين من جامعات مختلفة ، ولكني كنت الوحيد من أصل أجنبي. وكانت يوماً طويلًا و مهيبا.

وهذا انتهت الدكتوراه بنجاح بتوفيق من الله ، وانتهى ايضا مرتب البعثة الشهري!. وبدأت اشعر بالقلق من المستقبل.

استمريت في ابحاثي في بادوفا و كاستل فرانكو، لكن كمتطوع بدون مرتب. وعدني البروفيسور بحصولي على منحة حياتية من جامعة بادوفا، و لكنها لم تكن أكيدة، و على كل حال كانت ستكون ضئيلة. صحيح كانت زوجتي تعمل ولكن موقفنا الاقتصادي لم يكن يسمح بمعيشة لائقة.

ونظرت كعادتي حولي في كل الاتجهات. العودة لمصر لم تكن لتحل المشكلة ، بالاضافة الى ان زوجتي رفضت ذلك و لن أكن اتصور أن اترك زوجتي و طفلتي وارجع لمصر وحدي. كان موقفي مؤلماً و بدا لي أني اضيع وقتي في أبحاث شديدة الاهمية علميا و لكنها لا تؤكّل عيش، وكان علي أن افكر في عائلتي.

و وجدت عملا كطبيب طوارئ في منطقة جبلية من جبال الألب، و كان عليّ قضاء عطلة نهاية الاسبوع في عيادة نائية عبارة عن كوخ تحيط به غابات من اشجار الصنوبر الهائلة على سفح جبل قريب من مدينة كورتينا السياحية. لم يكن عليّ خدمة المدينة المعروفة عالميا واهم منتجع للتزحلق على الثلج في ايطاليا ، بل كان عليّ خدمة المنطقة الجبلية الشاسعة شمال المدينة. كنا في عز الشتاء، في اعياد رأس السنة ، والثلوج تغطي كل شئ في الجبال و درجة الحرارة تحت الصفر بمراحل.

كان علي الوصول لهذه البقعة النائية في جبال الالب بسيارتي، و التي كنت أضع السلاسل الحديدية على عجلاتها حتى لا تتزحلق على جليد الشوراع التي ترتفع على جوانبها حيطان عالية من الثلوج. كان في انتظاري في الكوخ موظف من الوحدة الصحية الذي اعطاني المفاتيح و سلمني سيارة جيب اربعة في أربعة على عجلاتها وضعوا مسبقا ً السلاسل الحديدية. و اعطاني خريطة للمنطقة موضح عليها المسارات الجبلية المؤدية للقرى المنعزلة التي كان عليّ تقديم النجدة الصحية لها، في أي وقت، ليلاً او نهاراً، من ظهر الجمعة الى ظهر الاثنين. و كان هذا العمل مناسباً لي حيث كنت استطيع أن استمر في ابحاثي الثلاثة ايام الباقية في الاسبوع. و قال لي الموظف أن المكالمات الطالبة للاغاثة تصل مباشرة لتليفونيّ الكوخ، واحد في المكتب و آخر على كومودينو بجانب السرير. كان في الكوخ غرفة فيها المكتب، و غرفة نوم بسيطة الاثاث و حمام و مطبخ صغير.

قال لي الموظف ان المكالمات نادرة و لكن لا يجب عليّ ترك الكوخ أبداً ، فقلت له "و أين أذهب و في الخارج ليس هناك إلا اشجار وثلوج وصقيع مخيف".

وبعد ان تركني هذا الموظف بقليل، وحيدًا في هذا الخلاء الصامت، وصلتني أول مكالمة من احدهم يقول ان زوجته محمومة وتتنفس بصعوبة. فخرجت مسرعا ً و و ركبت العربة الجيب و التي كانت مجهزة سابقا بكل ما يلزم لعلاج حالات الطوارئ و بها ايضا اسطوانة اوكسيجين. ودرست الخريطة التي توضح اين هو مكان صاحب المكالمة وتحركت بالسيارة الثقيلة متوكلا على الله، وكانت تجربة لم امارسها من قبل. وسأحكي لكم عنها في المرة القادمة إن شاء الله.

ايطاليا لبوسطن الولايات المتحدة

استطلاع الرأي

أسعار العملات

العملةشراءبيع
دولار أمريكى​ 29.526429.6194
يورو​ 31.782231.8942
جنيه إسترلينى​ 35.833235.9610
فرنك سويسرى​ 31.633231.7363
100 ين يابانى​ 22.603122.6760
ريال سعودى​ 7.85977.8865
دينار كويتى​ 96.532596.9318
درهم اماراتى​ 8.03858.0645
اليوان الصينى​ 4.37344.3887

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 2,069 شراء 2,114
عيار 22 بيع 1,896 شراء 1,938
عيار 21 بيع 1,810 شراء 1,850
عيار 18 بيع 1,551 شراء 1,586
الاونصة بيع 64,333 شراء 65,754
الجنيه الذهب بيع 14,480 شراء 14,800
الكيلو بيع 2,068,571 شراء 2,114,286
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

مواقيت الصلاة

الجمعة 02:08 صـ
17 شوال 1445 هـ 26 أبريل 2024 م
مصر
الفجر 03:43
الشروق 05:17
الظهر 11:53
العصر 15:29
المغرب 18:29
العشاء 19:52