×
28 شوال 1445
6 مايو 2024
المصريين بالخارج
رئيس مجلس الإدارة: فوزي بدوي
مقالات

مذكرات مهاجر مجهول (23)

المصريين بالخارج

بقلم/د.أشرف يعقوب

شاعر بعمري الف عام و عام
حوالَيّا فاضي، بس قلبي زحام
خايف، و لكن خوفي من نفسي
ساكت، لكنّي، كلّي كلام

مستوحاة من رباعية لصلاح جاهين.

بدأت في المواظبة على الحضور في قسم البروفيسور بانيان في مستشفى كاستل فرانكو. في الصباح كنا نعمل المرور على المرضى و بعد الظهر كنت اعمل في معمل بحوث تصلب الشرايين. كنا نجري ابحاث على تأثير انواع الكولستيرول المختلفة على جدران الشرايين حيث تترسب الانواع الضارة منه عليها و تسبب تراكمات تؤدي لضيق الشرايين. قد تتقرح هذه التراكمات و تلتصق بها الصفائح الدموية التي تحدث جلطة دم داخل الشريان و تؤدي لانسداده بالكامل.

و اذا انسد شريان مهم تحدث جلطة في المخ او القلب او الاطراف و قد تؤدي للوفاة و تصلب الشرايين هو اكثر الامراض انتشاراً و يسبب اكبر عدد من الوفيات في كل بلاد العالم.


كان البروفيسور بانيان ذو سمعة عالمية كواحد من اهم الخبراء على مستوي العالم كله و ابحاثه موجودة في كل المراجع و الدوريات العلمية و الطبية المختصة بتصلب الشرايين و تراكم الدهون في الدم.
ارسلني في بعثة الى اوتريخت في هولاندا، ثم الى بعثة اخرى في بوسطن بالولايات المتحدة الاميركية و هكذا اصبحت مبعوث داخل بعثتي الاصلية ، و كل هذا كان على حساب جامعة بادوفا، و كان هذا يثير حسد الزملاء الطلاينة حيث كانوا يقولون لماذا انت تبعث للخارج و انت اصلا مبعوث من الخارج ، و نحن لا.

و لكن فريق العمل كان يحتاج لخبرتي في القساطر و العمليات الجراحية الصغيرة بل و طلب البروفيسور من احد كبار جراحين الاوعية الدموية ان يعلمني كيف اعزل الشرايين و افتحها ثم اقفلها و اخيطها لتعود لحالتها الطبيعة كما كانت. و كنت اقوم معهم بهذه الجراحات و القساطر التجريبية على الارانب في كلية العلوم في بادوفا، و على خنازير ضخمة في كلية الطب في فلورنسا.


كنت اجري هذه العمليات الصعبة على الحيوانات لاول مرة في حياتي و توقعت ان يموتوا بعد العملية. و لكن لم يمت اي ارنب او خنزير و كنت اجدهم في احسن صحة بعد عودتي في الاسبوع التالي على الجراحة و كان هذا محل استغراب الجميع. كان تخدير الارانب صعب و يحتاج لجرعات عالية من المخدر اكثر من الجرعات اللازمة لتخدير الإنسان.

اما الخنازير فكانت تخدرهم طبيبة بيطريةو يبدو ان الجهاز العصبي في الحيوانات متوتر جدا و منتبه بشدة اكثر بعدة مراحل مقارنةً بالجهاز العصبي البشري. و بعد ذلك كان علينا التضحية بهم و تشريحهم لاخذ العينات و اجراء الفحوص النسيجية ، و كان هذا يؤلمني جدا كنت اشعر انني مثل جراح عملياته تنجح ثم يكون عليه قتل مرضاه و تشريحهم.

كان البروفيسور بانيان من بادوفا اصلا و لكنه كان يتحدث بلكنة اهل فلورنسا لانه عاش فيها طفولته. كان يحول الكاف الى هاء، فمثلا كوكاكولا كان ينطقها هوهاهولا. و لا عجب فنحن في القاهرة نقلب حرف القاف الى همزة فقوي عندنا تبقى أوي. و قد عرفت عن هذه الظاهرة لسكان فلورنسا، و أهل كل محافظة توسكانا، عندما حضر للمستشفى الايطالي في القاهرة مهندس ايطالي ليعلمنا استعمال جهاز استجواب و صيانة منابض القلب و كان يتكلم هكذا، فتوقعت ان يكون لديه نوع من الأمراض العصبية او الصرع و لكن جمال زميلي و صديقي و الذي كان ابن الملحق العسكري المصري في ايطاليا و عاش فيها سنوات طويلة شرح لي حكاية اللكنة التوسكانية هذه، فعرف السبب و بطل العجب و لله في خلقه شؤون.
و كان هذا يسبب سخرية الحاضرين احياناً، و لكن البرفيسور كان محترما جداً من الجميع ، و خاصة انه عائلته هو واحدة من اغنى العائلات في ايطاليا و يملكون مزارع ومراعي مترامية الاطراف في الارجنتين و اشجار زيتون لا حصر لها في توسكانا و كانوا يعصرون منهم كميات هائلة من زيت الزيتون المعروف عالمياً " كارابيللي". لم يكن في احتياج للعمل كي يعيش و لكنه كان عاشقاً لعمله كطبيب و استاذ جامعي و باحث علمي.
و حدث ان ناداني في صباح أحد الايام و في مكتبه عرفني باستاذ جراحة اوعية مصري قابله في بادوفا حيث كان يحضر احد المؤتمرات و دعاه ليزور قسمه في مستشفى كاستل فرانكو. رحبت جدا بالاستاذ المصري و صاحبته لرؤية العيادات و المختبرات و قسم المرضى. اعجب الاستاذ المصري ببعض الاشياء و انتقد البعض. ثم اخذته مرة اخرى لمكتب البروفيسور و عادا الى بادوفا بعد ان دعانا البروفيسور للعشاء في واحد من ارقى مطاعم بادوفا.
ذهبت في المساء فوجدت البروفيسور و الاستاذ و معهما بروفيسور جراحة اوعية دموية ايطالي هو الآخر من جامعة بادوفا. و جلسنا نحن الاربعة على مائدة كبيرة و احضر النادل قائمة الطعام و كانت مكتوبة بالانجليزية و الايطالية.
اختار الاستاذ ان يبدأ بشوربة ثم سمك. وقال البروفيسور حسنا لقد اختار استاذك سمك و لذلك سأطلب نبيذ ابيض. و لم ادري هل اقول له ان الاستاذ مسلم و لن يشرب الخمر، و لكن قلت انا مالي فقد يكون الاستاذ ممن يشربون النبيذ و احرمه من ذلك فيغضب مني. و جاء النبيذ فعرض البروفيسور كأساً على الاستاذ فرفض بحدة و زغر لي بنظرة مأنبة. استاء البروفيسور فشرحت له ان المسلمون لا يشربون الخمر فقال ليس صحيحا رأيت في تركيا انهم كلهم يشربون الخمر فقلت له تركيا حاجة و مصر حاجة ثانية. فقال لي انه يتعجب من حرمان المسلمين من الخمر و هو من متع الدنيا الكبرى. قلت له اننا نعوض هذا الحرمان بالزواج من اربع، فرد عندك حق فالنساء هن اكبر متعة في الدنيا.
و جائت الشوربة و بها مكرونة على شكل لسان عصفور فطلب الاستاذ ان يحضروا له فص ليمون فتعجبوا جداً فمن المعتاد عندهم هو وضع قليل من الجبنة البارميزان المبشورة على الشوربة. و عندما جاء الليمون عصره الاستاذ على الشوربة فاستغرب فعله هذا البروفيسور بل و غضب و قال لي في حدة "ايه القرف ده، الاستاذ بتاعك بوظ الشوربة" و حاولت ان اشرح له ان في مصر الشوربة يوضع عليها الليمون ، و لكن هيهات. و الحقيقة انني تعجبت جدا من تصرف البروفيسور هذا، و لكني عرفت بعد ذلك ان الاكل بالنسبة للطلاينة هو شئ مقدس.
و عندما وصل السمك الذي طلبه الاستاذ لم يكتفي هذه المرة بطلب الليمون و لكنه طلب ايضا كمون. لم يفهم النادل ما هو الكمون فحاولت ان اشرح له فقال انهم لا يعرفون ما هو و ليس لديهم بالطبع شىء منه. و هنا انقلب وجه البروفيسور و اصبحت القعدة بايخة جدا فالاستاذ رفض اكل السمك محتجا بأنه لايستطيع اكل السمك بدون كمون. و لم اكن ادري هل اضحك ام ابكي فاللقاء فشل و التعاون العلمي بين الجامعتين تبخر و اصبح الجميع و كأنهم يجلسون على الجمر و بعدها بعشر دقائق كنا خارج المطعم و اوصلت الاستاذ المصرى لفندقه و هو صامت.
و تعلمت ان الاقتراب من الزملاء في العمل يجب ان يكون كما هو في قيادة السيارات فيجب وجود مسافة امان حتى لا يحدث تصادم. و الحقيقة انه لم يكن هناك اي داع للعشاء و كان يكفي لقاء لشرب القهوة و التحدث قليلا و كفى.
و عندما كنت اذهب للعمل في كلية العلوم في بادوفا عرفت من باحث تونسي ان فريقه يعمل لصالح جامعة و شركة اسرائيلية في حقل الآفات الزراعية. و علمت بعد ذلك ان هناك تعاون ضخم بين الجامعات الاسرائيلية و الجامعات الإيطالية و ان هناك استثمارات هائلة في كافة المجالات العلمية.
و في بادوفا تقابلت أيضا مع باحثة مصرية مسلمة من احدى الجامعات بعثت لأخذ الدكتوراه. كانت ذكية و جميلة و لطيفة، كنا نتناول القهوة في بار كلية العلوم احياناً فتحكي لي عن ابحاثها و عن ظروف اقامتها في بادوفا و تسألني النصيحة كلما احتاجت خاصةً انها لم تكن تتكلم الإيطالية. و قد حكت لي ان اباها كان رافضاً تماماً لذهابها وحدها لإيطاليا. و في يوم اشتكت لي من زميل لها ايطالي يطاردها في كل مكان معلناً حبه لها بكل الطرق. و قالت لي انها تفكر في شراء دبلة زواج تلبسها لتوهمه أنها متزوجة و يبعده ذلك عنها. فقلت لها من معرفتي بالطلاينة ان ذلك لن يبعده بل على العكس قد يحفزه اكثر ، و ان أحسن شئ ان تهدده بانها ستذهب الى ادارة الجامعة و تشكيه و تتهمه بالتحرش الدائم. و قلت لها ان لم يرتدع فسأتكلم معه انا و قد نذهب لإدارة الجامعة للشكوى معاً.
و لكن بعد هذا الحديث لم تعد تقابلني كالمعتاد، بل و كانت تتجنبني، و كنت اراها من بعيد تسير مع شاب ايطالي، ثم اختفت بعد ذلك و لم اعد اراها في بار الكلية في المرات القليلة التي اذهب فيها هناك. و لم اعرف كيف انتهت هذه القصة و لكني مازلت افكر في مدى تأثير هذه الحكاية على والد هذه الفتاة.

مذكرات مهاجر مجهول

استطلاع الرأي

أسعار العملات

العملةشراءبيع
دولار أمريكى​ 29.526429.6194
يورو​ 31.782231.8942
جنيه إسترلينى​ 35.833235.9610
فرنك سويسرى​ 31.633231.7363
100 ين يابانى​ 22.603122.6760
ريال سعودى​ 7.85977.8865
دينار كويتى​ 96.532596.9318
درهم اماراتى​ 8.03858.0645
اليوان الصينى​ 4.37344.3887

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 2,069 شراء 2,114
عيار 22 بيع 1,896 شراء 1,938
عيار 21 بيع 1,810 شراء 1,850
عيار 18 بيع 1,551 شراء 1,586
الاونصة بيع 64,333 شراء 65,754
الجنيه الذهب بيع 14,480 شراء 14,800
الكيلو بيع 2,068,571 شراء 2,114,286
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

مواقيت الصلاة

الإثنين 09:21 صـ
28 شوال 1445 هـ 06 مايو 2024 م
مصر
الفجر 03:31
الشروق 05:08
الظهر 11:52
العصر 15:29
المغرب 18:35
العشاء 20:01