×
17 شوال 1445
25 أبريل 2024
المصريين بالخارج
رئيس مجلس الإدارة: فوزي بدوي
مقالات

مذكرات مهاجر مجهول (27)

المصريين بالخارج

بقلم/د. أشرف يعقوب

كانت قد مرت سبع سنوات عندما ودعت من سنسميها فيرونيكا في مطار لارناكا في قبرص.

و عادت ذاكرتي ليوم ربيعي لطيف في القاهرة ، و كنت قد دعوت فيرونيكا لجولة سياحية في القاهرة القديمة. كانت قد وصلت في مارس ١٩٨٧ لتعمل كخبيرة تمريض في الفريق الايطالي للتعاون الصحي الدولي و بدأت تعمل معنا في وحدة الرعاية المركزة في المستشفى الايطالي. رأيتها لأول مرة و هي تنظر من باب العناية علينا بالداخل في اول يوم وصولها. فارعة القوام، بوجهها الجميل الطفولي و عينيها بلون العسل الذهبي و شعرها الكستنائي المموج الذي يصل لكتفيها.
كان حباً من اول نظرة.
كانت قد وصلت لتوها من مدينة في شمال إيطاليًا، و كانت من ام من فينيسيا و اب من صقلية. و لم تكن كاثوليكية مثل معظم الإيطاليين و لكنها كانت بروتستانتية من اتباع الكنيسة الولدينيسية. و الولدينيسيون كانوا قد خرجوا عن سلطة كنيسة البابا الكاثوليكية في روما و تبعوا تعاليم مارتين لوثر كينج، الراهب الالماني الذي تمرد على الكنيسة الكاثوليكية و اعترض على قوانينها و كون ما اصبح يعرف بالمذهب الاعتراضي او البروتستانتي. و تبعه الملايين من الاوروبيين ، و تسبب هذا الانقسام بين الكاثوليك و البروتستانت الي حروب دينية رهيبة شديدة الدموية ادت الى مقتل نصف سكان اوروبا تقريباً. و قد عان اصحاب المذهب الولدينيسي من اضطهاد شديد في ايطاليا في الماضي، اما الآن فلا يكاد يشعر بهم احد.
المهم نعود الى فيرونيكا و التي واعدتها على اللقاء امام المستشفى الايطالي في التاسعة صباحاً في يوم من ايام شهر مايو سنة ١٩٨٧. كانت تلبس بنطلون جينس ازرق و تي شيرت ابيض يبرزان تناسق قوامها الملفوف. اخذنا تاكسي الى منطقة الحسين و زرنا خان الخليلي و جلسنا في قهوة الفيشاوي و زورنا محلات الجواهرجية في الغورية. امسكت بيدها و نحن نحاول ان نمر بين زحام الناس فلم تمانع. ومررنا بالقرب من بيمارستان قلاوون اول مستشفى بمعنى مستشفي في العالم، ثم بقصر الشوق و بين القصرين و سوقي الليمون و البصل بروائحهما القوية . و مشينا في الشارع الجميل، شارع المعز لدين الله الفاطمي. تعجّبت ان الناس مازالت تسكن في هذه المباني الاثرية العتيقة القدم . قلت لها "نعم الناس مازالت تسكنها"، و حكيت لها انني كنت اراسل فتي من امريكا من الاباما و الذي ارسل لي صورة مبنى عمره ٥٠٠ سنة و تفاخر بأنه البناء الاقدم في القارة الامريكية، و انني وقتها رديت عليه بأن مبنى عمره ٥٠٠ سنة يعتبر جديداً في مصر و غالبا. ما يزال مستعملاً كمنزل او كورشة.
سألتني لماذا لا يستخدم هذا الطراز العمراني الرائع في بناء المباني الحديثة في القاهرة، و قالت ان معظم مباني وسط القاهرة مبنية على الطراز الايطالي أو الفرنسي. قلت لها نعم فالقاهرة الخديوية بنيت معظم مبانيها علي الطراز المعماري الايطالي و احيانا الفرنسي و كانت هذه هى مودة ذلك الوقت في العالم كله.
وصلنا الى باب الفتوح وسط زحام و ضجيج من كل نوع، من سيارات لعربات كارّو تجرها الخيول او الحمير و لواري نقل ضخمة لا تعرف كيف استطاعت الدخول لهذا المكان. كان ضجيج الاصوات خليط من كلاكسات السيارات و غناء الباعة الجائلين و موسيقى الاغاني في المحلات و القهاوي. شرحت لها أن هذا الباب أنشأه واحد اسمه بدر الجمالي عندما جدد سور القاهرة مع باب النصر و وربط بينهما بسور توجد طرق وسراديب على ظهره وفي جوفه.
و طلبت من الحارس الموجود على مدخل احد برجي البوابة اذا كان من الممكن ان نصعد الى سطح السور من الداخل فسمح لنا. فصعدنا السلالم العتيقة و هالني جمال و نظافة ممشى السور و الفتحات التي كانت تستخدم في رمي السهام و الزيت المغلي على رؤوس من يهاجم السور . و كانت بعض احجاره يوجد عليها جمل مكتوبة باللغة اللاتينية و عرفت بعد ذلك ان بناه السور استخدموا احجار من أسوار القلاع الصليبية التي كانت في فلسطين. و كان داخل السور يتميز بصمت غريب و هدوء جميل لا تسمع فيه ضجة الزحام في الخارج. لم يكن معنا احد ، فسألتها بأدب هل استطيع تقبيلها. فقبلت بدون تردد، و قبلتها و انا لا اكاد اصدق انني اقبل ملكة الجمال هذه. كنت اتمنى ان تدوم هذا اللحظات الى الابد. و لكن كان علينا ان نعود للعمل فخرجنا على مضض. و قال لي الحارس و نحن نمر به "ما لسّه بدري يا بيه، انا شفت انك انبسطت" فعرفت انه كان يتجسس علينا هذا الغلبان، و أعطيته خمسة جنيهات و كان للجنيه قيمة كبيرة في ذاك الزمن.
و في اليوم اللي بعده زرنا منطقة الاهرامات، و اللي بعده روحنا جولة على مركب في النيل، و هكذا تعددت اللقاءات.
و في يوم تواعدنا على الغداء معاُ و ذهبنا الى احد المطاعم في مصر الجديدة و التي كان يتردد عليه الاجانب و لم يكن غالي عليّ. طلبت لحمة و خضار و رز، و احضرهم النادل بدون ملاعق، فقلت له كيف اكل الرز بالشوكة ياعزيزي ، قال إن الاجانب "بيكلوه كده، بالشوكة" . قلت له انا عايز ملعقة لو سمحت، قاللي "يا استاذ منظرك هيبقى وحش مع الخواجاية اللي معاك"، فقلت له "و انت مالك يا أخي، ما يهمش، انا مش هعرف آكل الرز بالشوكة". كل هذا و هي تضحك من قلبها احلى ضحكة سمعتها في حياتي.
قالت لي بعد الغداء "تعالى معي لشقتي"، فعرفت ان الحكاية بقت جد، قلت لها "انا لازم اتجوزك عشان علاقتنا تبقى حلال من وجهة نظر ديني". قالت لي انها لا تنوي الزواج من أحد، و لكنها تحبني و تريد أن تعيش معي. قلت لها هذا لا يمكن، و قلت لها ممكن نتجوز عرفي، و شرحت لها ماذا يعني ذلك، و سألت "يعني مفيش اوراق رسمية". قلت "نعم، بس هيكون معانا اثنين شهود، أصدقائي ، و ورقة عليها امضاءات الجميع". قالت "ماشي". و فعلا في نفس اليوم تم زواجنا عرفياً، و في نفس اليوم تمت دخلتنا.
لم ندع احد يعرف لا الاهل و لا في العمل، و كنا نتقابل كل يوم و احياناً ابيت عندها. و ذهبنا الى الغردقة و المعمورة في الاسكندرية و الفيوم و عشنا احلى ايام مرت بسرعة خرافية. و بعد سنة، انتهت مدة عملها في مصر و لم تستطع ان تجدد عقدها.
و حان وقت الفراق. ودعتها في المطار و نحن في حالة من الغم الشديد. و تراسلنا. و بعد شهرين تقابلنا مجدداً في قبرص و قضينا معا عشرة ايام جميلة زرنا فيها كل انحاء الجزيرة. و في الفندق رحب بي اصحابه جدا و غمروني احضاناً و تقبيلا لانني مصري، و كلموني بالعربي المصري و كأنهم من الاسكندرية ، و كانا قد ولدا فيها و تزوجا فيها و رحلوا منها، بسبب عبد الناصر كما قالوا، كما رحل معظم اليونانيين.
و اتذكر منظر السور الكئيب الذي يفصل بين القبارصة الاتراك و القبارصة اليونانيين في نيكوسّيا عاصمة الجزيرة. و تذكرت يوليو سنة ١٩٧٤ و انا على شاطئ البحر في اسكندرية استمع في الراديو الى اخبار نزول القوات التركية على الشاطئ الشمالي لقبرص و ذلك لإنقاذ المسلمين فيها من المذابح المرعبة التي قام بها القبارصة اليونانيين ضدهم. قصة هذه المذابح المروعة حكت لي كثيراً عنها ممرضة اسكتلندية ولدت في قبرص حيث كان والدها يعمل في القاعدة البريطانية فيها و عاصرت هذه الحرب و عندها ستة عشر عاما. قالت انه تم اغتصاب الآلاف من البنات و النساء المسلمات من قبل ميليشيات القبارصة الاتراك.
و بينما كنت مع فيرونيكا في فندقنا سمعت بانتهاء الحرب العراقية الايرانية من التليفزيون السوري الذي كان يرى بوضوح في قبرص، و كانت هذه هي اول مرة اشاهد فيها تليفزيون دولة عربية.
كنت انا و هي نتصرف و كأننا سنعيش معا الى الابد و كنا نحاول أن نتناسى اننا سنفترق، غالباً الى الابد، بعد ايام قليلة. و كان وداعنا في مطار لارناكا صامتاً، حزيناً و باكيا.
كنت اوقن اني لن اراها أبداً بعد ذلك اليوم، و لكن ها هي تجلس امامي في مدخل مكتب المنظمة الدولية و كان لقاءاً مذهلاً و مفعم بعواطف جياشة و حضن طويل.
جلسنا في الصالون و هي تتشبث بيدي و كأنها لا تريد أن ابعد عنها مرة اخرى. و كنت محرجًا فأريتها دبلتي و حكيت لها عن زواجي و ابنتي و حياتي في تريفيزو و بادوفا. قالت كنت اعرف انك ستتزوج فمن الصعب ان تتركك الفتيات في حالك. اما هي فلم تكن تزوجت (و لم تتزوج أبداً حتى وفاتها بسرطان الكبد منذ حوالي سنة) بل ظلت تعيش بمفردها طوال حياتها.
دخلت قبلي و خرجت و قالت انها لن تذهب معهم لأن ظروف الحياة في هذا المكان في الصومال لا تحتمل، و نصحتني الا اذهب و خرجت مسرعة من اجل اللحاق بقطارها لوجوب عودتها الى مستشفاها للعمل. كان وداعًا متفائل اننا سوف نتواصل بالتليفون بين الحين و الآخر.
و جاء دوري فدخلت مكتب المدير و كان فيه شخصان، رجلان، احدهما يجلس على المكتب الكبير و الآخر على كرسي فوتيه ، و جلست على الكرسي القريب من المكتب و قدمت نفسي.

مذكرات مهاجر مجهول

استطلاع الرأي

أسعار العملات

العملةشراءبيع
دولار أمريكى​ 29.526429.6194
يورو​ 31.782231.8942
جنيه إسترلينى​ 35.833235.9610
فرنك سويسرى​ 31.633231.7363
100 ين يابانى​ 22.603122.6760
ريال سعودى​ 7.85977.8865
دينار كويتى​ 96.532596.9318
درهم اماراتى​ 8.03858.0645
اليوان الصينى​ 4.37344.3887

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 2,069 شراء 2,114
عيار 22 بيع 1,896 شراء 1,938
عيار 21 بيع 1,810 شراء 1,850
عيار 18 بيع 1,551 شراء 1,586
الاونصة بيع 64,333 شراء 65,754
الجنيه الذهب بيع 14,480 شراء 14,800
الكيلو بيع 2,068,571 شراء 2,114,286
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

مواقيت الصلاة

الخميس 12:28 مـ
17 شوال 1445 هـ 25 أبريل 2024 م
مصر
الفجر 03:44
الشروق 05:18
الظهر 11:53
العصر 15:29
المغرب 18:28
العشاء 19:51